البنوك المركزية والنمو (2-2)

02:05 صباحا
قراءة دقيقتين
د. أيمن علي *

البنوك المركزية في الاقتصادات الصاعدة والنامية بدأت منذ خمسة أشهر موجة خفض للفائدة، بلغت ذروتها الشهر الماضي. فحسب مسح ل«رويترز» يغطي 37 اقتصاداً نامياً وصاعداً قررت 5 بنوك مركزية خفض الفائدة، مقابل 2 فقط في مايو/أيار.
تستهدف تلك الموجة من التيسير النقدي المحافظة على معدلات النمو، والتصدي لاحتمالات الركود، والمبرر هنا هو انخفاض معدلات التضخم؛ لكن في ظل ارتفاع معدلات الدين بشكل هائل، وتباطؤ نمو التصنيع في العالم لن تؤدي تلك السياسات النقدية إلا إلى زيادة معدلات التضخم بشكل لن يمكن للبنوك المركزية مواجهته بالتشديد النقدي (رفع الفائدة والتوقف عن طبع النقد).
وفي وقت انعقاد قمة العشرين شهد نادي المراسلين الأجانب في اليابان ندوة تحدث فيها عميد معهد بنك التنمية الآسيوي ناويوكي يوشينو محذراً من أن السياسات النقدية الحالية تدفع نحو أزمة عملات تشبه أزمة العملات الآسيوية في 1997. ويقصد هنا أنه حين تضطر البنوك المركزية إلى رفع الفائدة، والتوقف عن ضخ الأموال السهلة (التيسير الكمي) ستنهار العملات.
ثم إن هناك من الاقتصاديين من يجادل في أن التضخم لم «يختف» من الاقتصاد العالمي كما نلحظ من مؤشرات الأسعار، إنما هو «يتخفي» في ظواهر واضحة منها المغالاة في تضخيم قيمة الأصول (من العقارات إلى الأسهم) وارتفاع معدلات الدين بشكل هائل.
صحيح أن الإجراءات التي اتخذت منذ الأزمة المالية الأخيرة جعلت البنوك، والقطاع المالي والمصرفي عموماً، تحت مجهر التدقيق؛ لتلافي الديون المعدومة والمشكوك فيها بكميات كبيرة، إلا أن ذلك ليس كافياً للتحسب للأزمات.
ففي أحدث أرقام من وكالة تصنيف الدين «دي بي ار اس» Dominion Bond Rating Service
هناك أكثر من 60 في المئة من الدين العالمي خارج النظام المصرفي المراقب والمدقق من البنوك المركزية.
ويقدر حجم تلك الديون بما يصل إلى 52 تريليون دولار من الديون «غير الرسمية» إذا جاز التعبير.
وذلك أن البنوك والمؤسسات الكمالية تلجأ لإقراض الشركات والمؤسسات بمشتقات دين لا تخضع للنظام المشدد لضمان الائتمان الذي فرضت إجراءاته بعد أزمة الانهيار المالي نهاية العقد الماضي.
هذا مجرد نموذج على أن التيسير النقدي إنما يخلق فقاعات مختلفة، قد لا يحسب لها حساب، وبشكل أكبر من قدرة السياسات النقدية على مواجهته في حال أزمة اقتصادية جديدة. إلا أن السياسيين لا يهمهم بالطبع سوى استمرار النمو وإنفاذ سياسات اقتصادية آنية؛ لضمان شعبيتهم لدى جمهور الناخبين، وليس هناك أسهل من إلقاء اللوم على البنوك المركزية.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"