التحدّيات الأمنية في منطقة الساحل

04:03 صباحا
قراءة 4 دقائق


د.إدريس لكريني

إن التركيز الفرنسي على الجانب العسكري في التعاطي مع التّهديدات الإرهابية، وعلى أهميته، يظل حلّاً مؤقتاً ويفتقد للاستدامة.
دعت فرنسا، قبل أيام، إلى تشكيل قوات خاصة أوروبية؛ لتعزيز الجهود الرامية إلى محاصرة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، التي باتت مصدراً لكثير من الإشكالات الأمنية، التي تهدد المنطقة برمتها، والسلم والأمن الدوليين. وهي القوات التي ترى فرنسا أنها ستسمح بتطوير قدرات الجيوش الوطنية لدول المنطقة، التي تضم خمس دول؛ هي: بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وموريتانيا وتشاد، من جهة أولى، وتدعم تخفيف الأعباء عن فرنسا، التي استقدمت قوات عسكرية إلى المنطقة في أعقاب اندلاع الأزمة في مالي منذ عام 2013 من جهة ثانية، وتأتي هذه الخطوة مع تزايد العمليات الإرهابية في المنطقة، والتي أودت في الآونة الأخيرة بأرواح حوالي 25 جندياً من القوات المالية.
قادت القوات الفرنسية مجموعة من العمليات في المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، ونذكر في هذا السياق، عمليتي «سيرفال» عام 2013، و«برخان» عام 2014، والتي ألحقت الكثير من الخسائر بالجماعات المسلّحة، التي تنشط في منطقة الساحل، ورغم أهمية وقوة هذه المبادرات، فإنها لم تسمح بوقف الخطر نهائياً، في ظلّ غياب جيوش وطنية قوية، في مستوى التهديدات والتحديات الفعلية التي تواجه هذه الدول، سواء كان مصدرها شبكات التهريب أو الجماعات الإرهابية..
رغم الضغوط التي تعرضت لها الجماعات المسلحة خلال السنوات الأخيرة، فإنها استطاعت مع ذلك، أن تستغل ضعف المراقبة الأمنية، لتتمدّد وتبسط هيمنتها على عدة مناطق، وتنفذ بذلك عمليات خطرة داخل عدد من دول المنطقة. ولذلك، تشير الكثير من التقارير والدراسات العلمية والمعطيات الميدانية إلى أن الإرهاب، ما زال يشكل خطراً حقيقياً في هذه المنطقة، وخصوصاً مع توجّه عدد من الجماعات المسلّحة داخل هذه الأقاليم الشاسعة والمترامية الأطراف إلى التكتل والتنسيق، وهو التحالف الذي ضمّ عدداً من الجماعات والحركات المتطرّفة؛ مثل: «المرابطون» و«إمارة الصحراء الكبرى» وكتائب «ماسينا» و«أنصار الدين».
وتطرح في هذا السياق، الكثير من الأسئلة حول جدّية النوايا الفرنسية بخصوص الانسحاب العسكري الفعلي من هذه المناطق الاستراتيجية، والتي تحسب على المستعمرات السابقة لهذه الدولة، كما يطرح سؤال آخر بصدد قدرة القوى الأوروبية على التجاوب مع هذه الدعوة، والزج بجيوشها في منطقة حبلى بالمخاطر والتحديات المختلفة.
وحتى إذا ما استجابت الدول الأوروبية لهذا الطلب الملحّ، يبرز سؤال آخر للواجهة، حول ما إذا كان هذا التواجد سيدعم محاصرة الإرهاب في المنطقة، أم سيسهم في المزيد من تمدّده وتصاعده، خاصة وأن الكثير من الجماعات المسلحة، في الأغلب ترى في دخول القوات الأجنبية إلى المنطقة مبرراً لإطلاق تهديداتها وخطاباتها التحريضية؛ لجلب مزيد من الأتباع والمنضمين، ولتعبئة مقاتليها في مواجهة ما تسميهم ب«جيوش الاستعمار» أو «الصليبيين»..
أكدت فرنسا أكثر من مرة على أن استراتيجيتها العسكرية في المنطقة تقوم على أساسين اثنين، أولهما، يهدف إلى احتواء الخطر الإرهابي وتطويقه، وتأهيل الجيوش المحلية في المنطقة لتكون قادرة على مواجهة هذه الجماعات بنفسها بشكل أكثر نجاعة وقوة.. أما الثاني، فيقوم على تخفيف العبء عن القوات الفرنسية المتمركزة في المنطقة، في أفق التمهيد لانسحابها نهائياً في المستقبل..
لم تفلح إلى حدود الساعة جهود فرنسا في إقناع عدد من البلدان الأوربية لتقاسم مسؤولية «حفظ الأمن» في منطقة الساحل، عبر تشكيل قوات عسكرية في هذا الشأن، فباستثناء دولة «إستونيا» التي عبّرت عن تجاوبها مع هذا الطلب، لم يجد التوجه الفرنسي آذاناً صاغية لدى صانعي القرار في مجمل العواصم الأوربية، ويمكن القول إن عدم التّحمس الأوروبي لهذا المطلب، مردّه إلى الوعي بخطورة الوضع في المنطقة، والتخوف من عمليات انتقامية يمكن أن تطال العمق الأوربي مرة أخرى..
لقد مرّت سنوات عدّة على التواجد العسكري الفرنسي إلى جانب عدد من القوات الأممية والإفريقية الأخرى في منطقة الساحل، دون التمكن من كسب تحقيق رهان الاستقرار والأمن في هذه المنطقة الاستراتيجية، وهذا أمر طبيعي ولا يدعو للاستغراب؛ لأن مقاربة الظاهرة الإرهابية في هذا السياق ركّزت مجملها على الجوانب الأمنية، أكثر من استحضارها لعوامل أخرى مسؤولة بدورها عن تغذية الإرهاب والتطرف في المنطقة، في أبعادها التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية..
إن التركيز الفرنسي على الجانب العسكري في التعاطي مع التّهديدات الإرهابية، وعلى أهميته، يظل حلّاً مؤقتاً ويفتقد للاستدامة، ستظل معه المنطقة تدور في دوامة تتأرجح بين الاستقرار تارة، والعنف والفوضى تارة أخرى.. ومن هذا المنطلق، يمكن القول: إن تحقيق الأمن في هذه المنطقة المترامية الأطراف، وتطويق الإرهاب بشكل ناجع، يبدأ فعلاً بتأهيل جيوش دول المنطقة، وبالمساهمة بشكل جدّي في تحقيق التنمية بعيداً عن منطق الإحسان، وإرساء تحوّل ديمقراطي، يدعم التداول السلمي على السلطة، وبناء المؤسسات، ويساعد على تدبير التنوع الاجتماعي بصورة بناءة، علاوة على إقامة مشاريع اقتصادية كبرى تسمح بتوفير البنيات التحتية داخل هذه الدول.
إن دعم وتأهيل قدرات دول المنطقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، هو خيار سليم، سيسهم حتماً في إرساء الأمن في هذه المنطقة، وسيحدّ من مختلف المخاطر التي تخيّم على منطقة المتوسّط، وعلى السّلم والأمن الدوليين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"