التسامح

03:49 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد عبدالله البريكي*

عرفت الأمة قيمة التسامح منذ أن بزغ فجر الدين الذي هو امتداد ومكمل للأديان السماوية التي جاءت لحفظ الحقوق وتجنيب الشعوب ويلات الحروب وظلم قابيل لهابيل، ولتنزع من صدور الناس الغل والحقد والتناحر والأنانية، وتزرع فيها شجرة التسامح ليستظل الجميع تحتها، ويأكلوا من ثمارها، ويستمتعوا بشدو العصافير على أغصانها.
وتجلت تلك العظمة حين قال سيد الخلق يوم فتح مكة للذين رفعوا في وجهه السيف، وحاصروه ووقفوا في طريقه وهو ينثر ورد المحبة، ويرش عطر التسامح «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
ودولة الإمارات العربية المتحدة جسدت هذا المفهوم منذ عهد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وسار على نهجه خلفه الكرام الذين آمنوا بهذا النهج واتبعوه، لتكون لهذه الدولة وزارة تعنى بالتسامح، وتجسده واقعاً في تعاملها مع الإنسان دون النظر إلى عرقه أو شكله أو لونه أو دينه، وهي إذ تستضيف هذا المؤتمر الذي يشارك فيه شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، فإنها تؤكد على أن في هذه الدولة شجرة وارفة الظلال، وأنها واحة بديعة تسكنها الأرواح المتآلفة المحبة للسلام والإنسانية.
الإمارات تؤمن أن الحب والتسامح لا بد منهما من أجل عمارة الأرض، والتركيز على البناء، ففي غياب هذه القيم الإنسانية ستقيم الأمم طرقها على جثث بني جلدتها، وسترجع قروناً إلى بدائيتها وتهدم كل الجمال الذي تعبت عليه نفوس عملت من أجل أن ترسم على جدران الزمن لوحات فنية بديعة، والأمة في هذا الوقت الذي يتعالى فيه الضجيج، ويعلو فيه صوت الشغب والانفلات الأخلاقي هي في أمس الحاجة إلى أن تقيم مثل هذه المؤتمرات، لتعيد التوازن للإنسانية، وتقيم على الأرض دولاً تنعم بخيرات الأرض، وتتقاسمها بمحبة ولين ولطف، فالإنسان في أمس الحاجة للتسامح مع نفسه ليتسامح مع الآخر، وليقول له: أسامِحُ منْ أجلِ هذا الترابِ، لأنّي إذا لم أسامحْكَ، كيف سنبني بأحقادِنا وطناً يتدفّقُ بين حناياهُ نهرُ العطاءْ.

* مدير بيت الشعر في الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"