التضاد في الرأي ليس بفتنة

01:34 صباحا
قراءة 5 دقائق

قرأت مقالة الأستاذ الدكتور خليفة الشعالي، تحت عنوان (فتنة المتناقضات)، في العدد (11236) من الخليج يوم الاثنين 22 فبراير/ شباط2010 . وشكراً لأستاذنا الدكتور على ما اتسم به من تواضع في ذكر اسمي في قائمة أهل الفكر في المجتمع الإماراتي، وأعتقد أن النقاش مع جناب الدكتور الشعالي وأمثاله من علية المقام الثقافي، فيه فائدة وفيه إثراء لساحة الفكر السياسي والاجتماعي في الإمارات، بالرغم من أنني وإياه على طرفي تضاد في الرأي، ولكنني شخصياً أستحسن ما قاله الشاعر العربي، أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية .

وليأذن لي جناب الدكتور في طرح مداخلتي لموضوعه المشار إليه (فتنة المتناقضات)، وأوزع مداخلتي على مقاطع تحمل أرقاماً مسلسلة، منعاً للسردية الإسهابية المتداخلة . .

بسط جناب الدكتور الشعالي رأيه ومقاله على مقاطع بلغت في العدد ستة، وفي الثلاثة الأولى، صب الدكتور جام الغضب على أجهزة الأمن في الإمارات، واعتبر أن ما تتعرض لها هذه الأجهزة من اختراقات وشقوق وأخاديد و(بلاوي)، (ينفذ منها كل غريب وعجيب)، (وبغير رقيب ولا حسيب!) بسبب (الانفتاح أو الانتفاخ . .) إلى آخر ما قاله من هذا الكلام الانفعالي المسهب، الذي لم يدع جانباً من جهاز الأمن إلا وألحق به علّة من العلل!

والحقيقة أنني شخصياً لا أدري ما الذي بين جناب الدكتور وأجهزة الأمن في الإمارات، فهو يدعي أنه من ذوي الصلة بالأمن، أو على حد قوله، (فقد خبرت العمل الأمني على مدى ثلاثة عقود) . والحقيقة أيضاً أنني لم أدرك مرام خطاب الأستاذ الدكتور في المقاطع الثلاثة الأولى وما يريد الوصول إليه، سوى ما يعلو هذا الخطاب من مفردات كثيرة الاضطراب، وسوى ما يظهر على سطوح خطابه من تنظير إنشائي، مماثل لما يردده المنظرون في الدولة وفي خارجها منذ أكثر من ثلاثين عاماً . . من ذلك الذي يتغلف بالانفعال الهيجاني الذي يرمي بالاتهام في كل حدب وصوب . . ويقولون إن كل شيء على خطأ أو يمشي في درب الخطأ!

وعندما يثار، سؤال بسيط، أين الصواب إذن، أيها الأخوة، وأيتها الأخوات، ألا يوجد شيء تحقق في الدولة، فيه شيء من الصواب؟ لا جواب من أحد، غير الإعادة الاجترارية، وهكذا دواليك، تستمر الظاهرة الصوتية وطنينها . . بادئة من حيث انتهت .

طرح الأستاذ الدكتور خليفة الشعالي في المقطع الرابع من مقاله، مبدأ غريباً بشكل تعسفي مسرف، ويفتقر إلى الاتزان، وهو المفاضلة بين الأشخاص ومواقفهم، وترجيح شخص على شخص، وموقف على موقف، وزج باسمي قسراً وتعسفاً في مجال للمقارنة بيني وبين شخصية هو محل احترام، في الوقت الذي يجري سجال الرأي بيننا، (الدكتور وأنا)، في موضوع لا علاقة له مطلقاً بالمفاضلة، أو من أفضل من من، ولا بهذه الشخصية التي أقحمت عنوة .

وتعليقاً مني على هذه المفارقة الغريبة والمتعسفة، أريد أن أوضح لجناب الدكتور الشعالي أن خطأً جسيماً قد وقع فيه، وأن المفاضلة بين الناس لا تستقيم عناصرها بمجرد التوافق والتضاد الأيديولوجي والانتمائي، وتظل المفاضلة (كمفاضلته) هذه، استنتاجاً عاطفياً شخصياً، لا معوّل عليه ولا قيمة له عند أهل المعرفة .

اتحاد الإمارات العربية المتحدة قائم على أركان وضعت في أساساته مواد واقية لا تؤثر فيها عاديات الأيام وخطوب الليالي، وعملت في صناعة هذه المواد عقول مدبرة اجتهدت وجاءت بالأحسن، فجزى الله العاملين الخير عما تركوه من المآثر، وجزى الله السائرين على طريق المؤسسين من قادة وفريق عمل في هذه البلاد كل خير أيضاً .

ولا أعتقد أن المجلس الوطني الاتحادي بوجوده أو عدمه وبشكله الذي عليه، يشكل ركناً يضعف أو يقوّي الأعمدة التي تقوم عليها الدولة، وأريد أن أرسل إلى جناب الدكتور إشارة، أن من اعتبر رأيي الشخصي في المجلس بأنه يلامس الدستور، أو يقترب من رموز الأمة، تلفيقي بحت ويلجأ إلى تلفيقها من يريد التزلف والبروز الإعلامي، ويدل على إعياء الملفِّق في البحث عن مقارعة الرأي بالرأي .

وكان حرياً بجناب الدكتور أن ينأى بنفسه وبمكانته العلمية من الانجرار وراء هذا التلفيق، فالدكتور يعلم بأن مثلي فوق مستوى الشبهات من تلك التي حاول أن يدسها بين ثنايا سطور مقاله، في لحظة انفعال .

الاعتماد على المجالس المحلية وتقويتها مطلب لا يخلو من الحس الوطني حتى لو لم يوافق هذا المطلب هوى في نفوس البعض، والمواطن المنتمي إلى حدود مدينته أو قريته لن يستطيع أن يكون مشاركاً للعملية التنموية في الدولة إلا بالتدريب والإعداد في المجالس المحلية التي لا بد من تقويتها لكي تصبح مجالس مراقبة ومشاركة، ولا أدعي زوراً لو قلت إنني أحد أكثر المنادين بوجوب تقوية المجالس الأهلية ومجالس الإدارة وهيئات المجتمع المدني في الإمارات .

أثبتت الأيام أن الذين لم يزجوا بأنفسهم في أتون الشعاراتية الهوجائية، لم يكونوا أقل إن لم يكونوا أكثر حرصاً على المصلحة الوطنية .

ضرب جناب الدكتور في خطابه مثلاً بدولة الأندلس وتفكيكها، ويأتي المثل هنا شعاراتياً أيضاً، فالأندلس كانت منذ البداية أقاليم متفرقة، وزادت من هذه التفرقة الصراعات على السلطة القبلية كما كانت في أماكن أخرى من الوطن الإسلامي، علماً بأن للتركيب والتفكك بين الشعوب والأمم دراسات نحن لسنا بصددها ولا يعيها الشعاراتيون .

لم يحصل في تاريخ الشعوب أن استمرت المركزية التسلطية القسرية في أي مكان، والمثل القريب هو العراق الذي كان يدار بالقهرية، وعند إزالة هذه القهرية، ارتفعت حدة المطالبة باللامركزية والفدرالية وما شابه ذلك، وما جرى في الخليج من حروب وصدامات، يؤكد لنا أن مطلب العراقيين ليس بالمطلب الغريب، وأن العراق الفدرالي غير الخاضع للمركزية القهرية هو آمن وأسلم للعراقيين ومن يجاورهم من الناس، وإذا أتاح الله لإيران أن تقوم فيها اللامركزية بين طوائفها وإثنياتها، فإن الخير العميم في انتظارها، وفي انتظار استتاب الأمن والطمأنينة في هذه المنطقة .

النموذج السنغافوري الذي لم يعجب جناب الدكتور الشعالي، نموذج غير سيئ بل هو نموذج حسن وناجح وعلى الإمارات أن تكون على صلة بسنغافورة لدراسة ما يمكن للدولتين من تبادله بينهما من التجارب والخبرة الإداريتين .

وعندي أن دولة سنغافورة والإمارات متشابهتان في القبول بالتعايش السلمي بين الشعوب من نحل مختلفة، وتعتبر سنغافورة من أرقى الدول في العيش الرغيد، وأريد أن أسال جناب الدكتور عن موضوع يتكرر ترداده، وأقول من ذا الذي قال إنه لا هوية لسنغافورة؟

المواطن السنغافوري يفتخر بأنه مواطن سنغافوري ويعتز بهذه المواطنة، أليست هذه هي الهوية؟ أليس إذا افتخرت بأنني إماراتي وعملت من أجل خير هذا البلد، فأنا إماراتي الهوية أيضاً؟ أمن الضرورة أن أكون انتمائياً بالأدلجة أو بالشعاراتية، لكي أكون صاحب هوية؟

أعتقد أن جناب الدكتور لا يخالفني أن مفردات، (الثورة . . النضال . . المناضلون) التي تخللت خطابته، أصبحت اليوم من الكلمات البالية التي أخرجها القاموسيون من قواميسهم المعدة للتخاطب الحضاري، وعلى العموم لم تعد مناسبة في أدبيات المناقشة، والتفسير نفسه (لتقاطيع حروف الثورة والنضال) بات عقيماً، وغير مستساغ، كما أن كلمة يحق لفلان أو لا يحق لعلان أن يفعل هذا أو لا يفعله أمر إداري قسري غير مستساغ الاستعمال، في سجال الرأي والرأي الآخر والمعتقد والمعتقد الآخر، أما الأحلام الذي يريد جناب الدكتور أن لا يستيقظ منها، فهي البتة مجرد أحلام وعند الانتباه قد لا نجد للحلم حقيقة!

ولجناب الدكتور خليفة تحياتي وسلامي

agh@corys,ae
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"