التنين الصيني بين الأرض والفضاء

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

أكثر الأمثال الصينية تداولاً في العالم؛ هو«أعطني سمكة تطعمني يوماً، علمني الصيد تطعمني الدهر كله». ويبدو أن النظرية الصينية للنمو الاقتصادي السريع الذي يعد معجزة العقود الأخيرة استلهم هذا المثل القديم. فقد قامت الصين الشعبية في فترة الحكم الشيوعي على اقتصاد ضعيف؛ لإطعام أكثر من مليار نسمة، ثم حدث انقلاب في النظام الاشتراكي، الذي انفتح على الرأسمالية بمواصفات صينية، وفر لها المناخ الملائم للاستثمار والأيدي العاملة الرخيصة، فكان أن قفز الاقتصاد الصيني بسرعة هائلة، واحتضنت الصين مصانع لكل السلع، وصارت تنتج لحساب الشركات الغربية الكبرى، خاصة الأمريكية التي استغنت عن مصانعها في بلادها الأم، وصارت أغلب قطع منتوجاتها الإلكترونية تصنع في الصين، إضافة إلى كل الماركات العالمية في شتى المجالات. في موازاة ذلك أدرج الرئيس دونالد ترامب العامل الاقتصادي ضمن خطابه الشعبوي في حملته الانتخابية، وأشار إلى ضرورة عودة المصانع والشركات الأمريكية إلى وطنها الأم؛ لتشغيل المزيد من الأيدي العاملة، بدلاً من تشغيل الأيدي العاملة في الصين. من هنا بدأت الحرب التجارية بين الطرفين، مع دول أخرى، إلا أن تركيزه كان على الصين؛ لأنها العملاق المنافس للاقتصاد الأمريكي أولاً؛ ولأنها أكبر دائن للخزينة والسندات الأمريكية ثانياً. وبينما الإدارة الأمريكية منهمكة في رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، ظهرت شركة «هواوي» كشركة منافسة لأعرق الشركات الكورية والأمريكية في مجال الاتصالات، ولا سيما الجيل الخامس من الهواتف النقالة، وكانت الشركة بدأت في قضم المشتركين والأسواق على حساب «أبل» و«سامسونج»، ولهذا جرى اتهامها بالتجسس، ووجد بعض من الأوروبيين وكندا في الاتهامات الأمريكية مدخلاً للانضمام إلى واشنطن في فرض الحظر والمقاطعة على الشركة، وفسخ عقود لمعدات الجيل الخامس من الأجهزة الخلوية. الاتهامات أيضاً طالت سياسة ترامب هذه التي ألحقت الضرر بالمستهلك الأمريكي، وجعلته يدفع أكثر على سلع واردة من الصين؛ بل ألحق الضرر بشركات أمريكية كانت تصنع قطعاً من إنتاجها في الصين، ولا يمكن تعويض ذلك بما قاله ترامب عن البحث عن بدائل في أسواق أخرى؛ مثل: فيتنام وجنوب شرق آسيا وأوروبا. وقد ردت الصين أيضاً بفرض رسوم على الواردات الأمريكية؛ لكنها أمسكت بالاقتصاد الأمريكي من نقطة ضعف أخرى؛ وهي تقليل الصادرات من المعادن النادرة، التي تنتج الصين أكثر من ثمانين في المئة منها، وهي معادن ضرورية لصناعة الطائرات ومركبات الفضاء وتدخل في كثير من الصناعات. ولا يكفي نداء ترامب للبحث عن مصادر بديلة، وزيادة الإنتاج من هذه المعادن والتنقيب عنها؛ لأنها باهظة التكاليف، وتضر بالبيئة في الإنتاج وتتأكسد بسرعة. وقد انتقدت صحيفة «فايننشال تايمز» سياسة ترامب هذه، واصفة إياها بعملية ابتزاز لحماية المصالح الأمريكية، وقالت: إن سياسة البيت الأبيض مضرة للاقتصاد العالمي ولمصالح الولايات المتحدة نفسها.
وتعلق الصحيفة بالقول: إن الأدلة الأخيرة تشير إلى أن سياسات ترامب ليست مجرد تعبير عن تصرف غير سليم من ترامب نفسه، ولكنها تمثل خطراً على الاقتصاد العالمي. ويجب، والحالة هذه، على الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة الوقوف أمام هذه التصرفات والحد من سياسة الرئيس التجارية التي يدفعها الهوى.
بقي هناك الغزو الصيني للفضاء الذي لا يمكن لترامب أن يوقفه، حيث أعلنت الصين عن مشروع طموح بدا كالخيال العلمي، وهو إطلاق محطات توليد طاقة شمسية في مدار بعيد حول الأرض بوزن ألف طن لكل محطة لا تغيب عنها الشمس، ويمكنها إرسال الكهرباء عبر الليزر أو موجات الميكرويف إلى محطات استقبال على الأرض، وعلى الرغم من أن المشروع في الأصل بدأ في الولايات المتحدة في القرن الماضي، وواصلته وكالة «ناسا» ثم هجرته، إلا أن الصين تستفيد من التقدم العلمي الحالي لإعادته ضمن مشروع رصدت له مليارات كثيرة، ومن المرجح بعد تجاوز عقدة نقل الكهرباء إلى الأرض إطلاق أول محطة بعد ستة أعوام، ومن ميزات هذا المشروع أنه يتيح تزويد مركبات فضائية بالطاقة في أعماق الفضاء، وهو ما يعني استكشاف الفضاء أكثر مما يحلم به الإنسان. من هنا نفهم خفايا الحرب التجارية الجارية حالياً، فهي صراع على المركز الأول في الاقتصاد والعلم والسيطرة على الأرض والفضاء معاً. فبينما يمد التنين الصيني ذراعه في الفضاء يظل الرئيس ترامب ومن حوله من الإنجيليين ينتظرون المسيح لإقامة «إسرائيل الكبرى» وفقاً لاعتقادهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"