الجدار والحصار

02:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

الجدار الذي أقامته إسرائيل بالمستطيلات والمكعبات الأسمنتية المسلحة والعالية لعدة أمتار، وبالأسلاك الشائكة والحواجز الألكترونية وأبراج المراقبة العسكرية، على امتداد مئات الكيلومترات فوق أراضي الضفة الغربية، بذريعة فصل هذه الأراضي المحتلة منذ العام 1967 عن إسرائيل ذاتها، ومنع وصول رجال المقاومة إلى العمق الداخلي الإسرائيلي، أدى كما هو معلوم إلى ضم مساحات واسعة منها إلى إسرائيل، إضافة إلى تمزيقه المبرمج والمقصود لحلقات التواصل الجغرافي بين المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص مدينة القدس الشرقية التي فصلت تماماً عن باقي جغرافية الضفة، ما جعل من هذه الجغرافية المفتتة كلها جزراً وجيوباً مخنوقة ومحاصرة بالاستيطان من كل جانب، وحوّل بعضها إلى سجون فعلية ضيقة ومتراصة على أهلها، لا يتم الدخول إليها أو الخروج منها إلا بتصاريح صادرة عن المؤسسات العسكرية الإسرائيلية، وفي أوقات محددة عبر بوابات حديدية يسيطر عليها الجنود الإسرائيليون.

وفق هذه الذهنية الإسرائيلية التي تقوم على مبدأ القلعة المخفية أو التي تحسب أنها مخفية عن الأنظار، رفضت إسرائيل القرار الصادر عن محكمة لاهاي بإدانتها الصريحة لها والطلب منها إزالة الجدار والتعويض على المتضررين منه. ولم تجد من يقف معها في هذا الرفض سوى الولايات المتحدة بطبيعة الحال. ولأن الولايات المتحدة هي العالم بأسره في كل ما يخص إسرائيل، فقد رأت إسرائيل أن هذا الكل العالمي معها، أو أنه أعمى ولو امتلك ملايين العيون، عن الجدار! وهو ما وفر الفرصة التامة والمريحة للولايات المتحدة في منع وصول قرار تلك المحكمة الدولية إلى مجلس الأمن، فلا تتعرض فيه لضرورة لجوئها إلى النقض/الفيتو ضده، ولا تتعب أو ما يحزنون!

مع ذلك، كانت هيئة الأمم المتحدة شكلت في العام 2006 ما أسمته سجل الأضرار الناتجة عن الجدار. ثم نام هذا السجل في أدراج إحدى المؤسسات المعنية لهذه الهيئة، ولم يذكره أحد، حتى كان أن تنبهت له تلك المؤسسة مؤخرا، ليصل مديرها التنفيذي فلاديمير جورياييف قبل بضعة أيام فقط إلى الضفة الغربية، في أول مهمة له لتقصي الحقائق تستغرق أسبوعا، بشأن الأضرار والمتضررين.

إسرائيل من جانبها كما هو متوقع، وعلى الفور، على لسان متحدث باسم وزيرة خارجيتها، أعلنت أنها لن تلتقي مع هذا المندوب الأممي. وقد كان بإمكانها أن تمنعه حتى من مجرد الوصول إليها. ثمة أسبقيات لها في مثل هذا المنع مع مندوبين دوليين آخرين في الشأن الفلسطيني، مجزرة مخيم جنين مثلا. إلا أنها اختارت هذه المرة أن تسمح للمدير المندوب بالوصول، مطمئنة إلى أنه بكل سجله، لن يقدم أو يؤخر في الأمر الحاصل شيئا.

على أية حال، لقد فعلت الأمم المتحدة ولو متأخرة، ما هو مطلوب منها أن تفعله، بإرسال هذا المندوب على الأقل. ولكن، هل تكتفي بهذا الفعل وحده، ثم لا تتحرك بخطوة أخرى مهمة وأساسية، إزاء الرفض الإسرائيلي؟ تستطيع إسرائيل المسيطرة على الأرض وعلى الخرائط وعلى كل شيء، طالما تمسكت برفضها من دون رادع لها، أن تحجب كثيراً من المعلومات التي لديها عن هذا المندوب، وأن تربك مهمته، وربما أن تفشلها بطريقة غير مباشرة.

ثم لا بد من ربط الجدار بالحصار، من قطاع غزة المعزول والمغلق بالتجويع والتدمير والحرق، إلى كل أنسجة وخلايا الضفة الغربية الممزقة. فالجدار بذاته حصار. والحصار جدار. وكله نتاج القلعة الاستيطانية العسكرية الراسخة في عقل إسرائيل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"