مصالحة بلا متصالحين

03:24 صباحا
قراءة دقيقتين

أسقط الإعلام العربي من خطابه، مفردة أو مصطلح المصالحة الفلسطينية، حين اكتشف بعد تعامله مع جولات وصولات طويلة وعريضة، من المتصالحين، أن المصالحة ذاتها، كإطار لغوي بحت موجودة، مثلها مثل كل المفردات والمصطلحات الموجودة في القاموس، في حين أن المتصالحين غير موجودين في أي فعل تصالحي على الأرض، فإذا بحثت عنهم بالمقابل، وجدتهم يتصدرون بتصريحاتهم وصورهم هذا الخطاب الذي اضطر في المحصلة إلى التوقف عن هذا التزييف للواقع، فلا متصالحين بالنسبة إليه، موجودون، ولا مصالحة موجودة .

مع ذلك، لم يتوقف الإعلام الفلسطيني المحلي عن الحفر والنبش في تراكمات مسمى المصالحة، باعتبارها شأناً موجوداً، مهما كانت الأحوال، وواحدة من أهم الأسس التي تقوم عليها إرادة المستقبل .

هل يشكل هذا الموقف الفلسطيني دلالة قوة في الإصرار على تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع عزة، مهما كانت التحديات المعاكسة؟ أو أنه دليل على استمرار تفريغ المصطلحات من معانيها، وتحويلها إلى أدوات بلاستيكية مضحكة، ومثيرة للسخرية وهي تتنقل فارغة وجافة، بين أيدي المتصالحين؟

يرفض المتصالحون على أية حال، الإقرار من جانبهم بهذا الناتج التحليلي المتعسف، وهم يرون فيه جزءاً من التيار المعادي للمصالحة أصلاً . ووفق هذا الرفض، يواصل المتصالحون حفرهم ونبشهم في أشلاء المصالحة، أو في شيء ما كان يشبه المصالحة، وأصبح الآن، بلا أي شبه أو شبيه .

يرى المحللون المعنيون أن هذا الرفض ذو شكل مركب، فهو من جانب يعمل على حماية مصالح المتصالحين أنفسهم . فإذا غاب، غابت هذه الحماية . وبالتالي، فإنهم يكرسون كل جهودهم لبقاء الحديث عن المصالحة، وما سبق لها من حال، وما هي فيه في المشهد الراهن من حال، فضلاً عن المستقبل الذي ينتظرها .

ومن جانب ثان، فإن هذا الرفض لا بد له، بهذا الشكل أو ذاك، من أن يخدم البعد التفاؤلي في حتمية الوصول إلى تحقيق المصالحة على الأرض . فالمسألة ليست في مصالح المتصالحين، حتى لو كان لهؤلاء نصيب فيها، وإنما في مصالح المصالحة ذاتها، حتى لو ارتكب بحقها، بعض الأخطاء .

المؤسف أن المسيرة التصالحية لا تشتمل على بعض الأخطاء فحسب، وكأنها أخطاء من السهل معالجتها وتجاوزها إلى ما بعدها، بل تشتمل على ما يحمل بذور قتل المصالحة ذاتها . فكيف نحمي ما نعمل على قتله؟

ثمة طريق ثالث هو الأصح، لمعالجة هذه المسألة الخطرة . يقوم هذا الطريق على خروج الشارع الفلسطيني بأطيافه وفئاته كافة، ضد ما هو حاصل حتى الآن، والتحرك الفوري بكامل طاقاته الشعبية، نحو مؤتمر وطني عام يتم عقده بأسرع وقت غير قابل للكسر أو التراجع، لمناقشة بند واحد فقط، ومن كلمة واحدة: المصالحة . إلى أين؟ ولماذا؟ وكيف؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"