الحرب العالمية على «كورونا»

03:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

يبدو أن العالم بات عاجزاً عن إيجاد لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد. فقد كشف الفيروس عورة الدول الكبرى التي كثفت جهودها طوال عقود كثيرة، وصرفت مئات المليارات وربما التريليونات من الدولارات على الحروب وتحديث الترسانات العسكرية، وتعتزم نقل المواجهة إلى الفضاء الخارجي، لكنها لم توجه العلم نحو علاج الإيدز أو سارس وغيرهما من الأمراض التي تهدد البشرية. وبدلاً من التركيز على إيجاد لقاح، وجدنا شماتة لدى البعض في الصين التي لم تكن وحدها المنكوبة، فالفيروس عابر للحدود، ولا علاج له في الأفق إلا بالوقاية والحجر الصحي لمنع تفاقمه. وبالطبع هناك من يخفي مدى تفشي المرض لأسباب سياسية أو اقتصادية، لكن الإخفاء لن يدوم طويلاً، وثبت علمياً غياب نظرية المؤامرة في انتشار هذا الفيروس، لكن يبقى الافتراض الواقعي أن أصله حيواني.
الصين التزمت الصمت، ولم تتهم أحداً، لكن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي تحدثوا عن مؤامرة أمريكية، وانضمت وزارة الدفاع الروسية إلى الحديث عن وجود مختبرات علمية سرية لإنتاج أسلحة بيولوجية أمريكية في كثير من البلدان، مستندة إلى شهادة وزير الدفاع الأسبق في جورجيا. كل الدول الكبرى لديها مختبرات لإنتاج أسلحة بيولوجية فتاكة، لكن في الحالة الصينية يبدو أن نظرية المؤامرة تبدو مستبعدة، إذ لا يوجد لقاح لهذا الفيروس الذي احتار العلم في كشف أسراره حتى الآن، مع أن سياسيين كباراً مثل الرئيس ترامب بشر بقرب التوصل إلى لقاح له، وتبين بعدها أنها لأسباب انتخابية، مثله مثل رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو الذي قال إبان حملته الانتخابية: «إننا نقترب من إيجاد لقاح للفيروس»، وتبين أن كلامه انتخابي أيضاً. وقد ذهب نتنياهو بعيداً عندما قال لناخبيه عشية الانتخابات: «اذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فلا خوف من كورونا»، لكنه في اليوم التالي عقد مؤتمراً صحافياً حول تفشي المرض، ووصفه بالوباء. ترامب أيضاً حمّل إدارة أوباما مسؤولية انتشار الفيروس، لأنها حدّت من الصرف على معدات طبية. وقال: إن غياب المعدات لفحص الأمريكيين ممن ظهرت عليهم أعراض المرض القاتل هو ذنب الرجل الذي غادر المكتب البيضاوي قبل ثلاثة أعوام. لمن العارفين ببواطن الأمور أكدوا أن إدارة ترامب هي التي حلت وحدة الصحة العالمية في مجلس الأمن القومي، وهي الوحدة التي أنشئت من أجل مواجهة الأوبئة.
كل طرف يريد استثمار الفيروس لمصلحته، وقد رأينا كيف أن سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» سارعت إلى فرض طوق عسكري على بيت لحم بعد ظهور حالات إصابة في فندق ارتاده سياح يونانيون، وحاولوا الإيحاء بأن مصدر الوباء فلسطيني، مع العلم أن مسؤولية المعابر والمطارات تحت سلطة الاحتلال، وليس للفلسطينيين أي وجود فيها. وقد سارعت السلطة الضعيفة الإمكانات إلى فرض حالة الطوارئ، وتعطيل الدراسة لمدة شهر لاحتواء انتشار الفيروس، بينما خضع قرابة مئة ألف «إسرائيلي» للحجر المنزلي، ووضع بضعة الآف في محاجر صحية رسمية.
نلاحظ هنا أن هناك تكاسلاً دولياً في مواجهة الفيروس، وكل دولة تتصرف وفق سياستها، فهناك من يخفي الحقائق، ويتستر على ناقليه لأسباب سياسية، وهناك من يرى فيه ضرراً اقتصادياً مع أن الأضرار شاملة للجميع، حيث أصيب قطاع الطيران والسياحة بالشلل، ومني بخسائر فادحة، وتوقف الإنتاج في قطاعات شتى في الصين وأوروبا، وتوقفت سلاسل الإمداد العالمية عن العمل، وكسدت الأسواق إلا ما يجري تخزينه من أغذية وأدوية ومواد معقمة.
كان من المفترض أن تتكاتف كل الدول في قمة صحية عالمية تجمعها لتحديد سبل مواجهة هذا الوباء، لكن كما يبدو يمر العالم بفقدان القيادات السياسية التاريخية القادرة على فعل الخير للبشرية، بدلاً من الحروب المندلعة في كل مكان. فهل يشفى العالم من الوباء؟!
الجواب: يبدو صعباً وفق المعطيات الحالية توفير علاج فاعل في وقت قريب، لكن يبقى درهم وقاية خير من قنطار علاج. فالحرب العالمية الفيروسية لم تنتهِ بعد، ومعركة مواجهتها قائمة، وهي في بدايتها على ما يبدو.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"