الحضور الروسي في شمال إفريقيا

02:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي
سعت روسيا في السنوات الأخيرة إلى تفعيل علاقاتها العربية والإفريقية على أثر تراجع نفوذها بشكل كبير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأخذ المسعى الروسي منحى تصاعدياً بعد أن استغل الحلف الأطلسي القرار الأممي الذي دعا إلى حماية المدنيين في ليبيا من أجل القيام بالتدخل جواً وبراً بهدف تغيير النظام واغتيال القذافي. وعليه فقد اتخذت روسيا، ما وقع من تجاوزات من قبل حلف الناتو في ليبيا، ذريعة من أجل مجابهة كل المحاولات الدولية والإقليمية التي سعت لاحقاً إلى إصدار قرار أممي يدين النظام السوري.
ويمكن القول إن المشهد السوري كان له دور حاسم في إعادة رسم الخطوط العامة للسياسة الروسية في المنطقة العربية برمتها، وتزامنت التحركات الروسية مع اعتماد دول المغرب العربي وشمال إفريقيا سياسة جديدة مع روسيا مختلفة تماماً عن المقاربات السابقة الموروثة عن الحرب الباردة، حيث قامت الرباط، بإجراء مباحثات معمّقة مع موسكو أشّرت لميلاد مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية ما بين البلدين، ووصل التقارب بين الجانين إلى ذروته بعد زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس في شهر مارس/آذار الماضي إلى موسكو، حيث تُوِّجت هذه الزيارة بإبرام عدة اتفاقيات تعاون بين الجانبين في مختلف الميادين.
ونزعم في هذه العجالة أن التطور الأبرز بالنسبة للحضور الروسي في المنطقة العربية وتحديداً في شمال إفريقيا، تمثل في عودة الدفء إلى العلاقات المصرية - الروسية بعد سنوات طويلة من الفتور، حيث قرّرت القيادة المصرية بعد ثورة 30 يونيو الاعتماد على استراتيجية سياسية ودفاعية جديدة، تستند إلى تنويع مصادر تسليح الجيش المصري. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن الجيش المصري يتجه نحو اقتناء عدد كبير من المعدات العسكرية الروسية الحديثة، بعد أن تسلم مؤخراً قسماً منها. ومن المميزات الكبيرة والمثيرة للاهتمام بالنسبة لهذا التعاون الجديد، أنه لا يقتصر على الجانب العسكري، بل هناك مجالات عديدة يسعى الطرفان من خلالها إلى توسيع قاعدة الشراكة الاستراتيجية وبخاصة في المجال السياسي، حيث تنسّق القاهرة بشكل وثيق مع الجانب الروسي من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. ونستطيع القول في الآن نفسه، إن الشراكة المصرية الروسية ستعرف تطورات هامة خلال المرحلة المقبلة بعد أن أعلنت القاهرة أنه تقرّر رفع العلاقات ما بين الدولتين إلى مستوى «التحالف العسكري» تزامناً مع الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى مصر.
وتشير أغلب المؤشرات إلى أن روسيا تسعى الآن، من أجل استعادة نفوذها في ليبيا، حيث تصرّ موسكو على إبراز مواقفها الرافضة للتدخلات العسكرية الغربية المتوالية في ليبيا، المتخفية وراء ذريعة محاربة الإرهاب. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الطبقة السياسية الجديدة في ليبيا، سواء تعلق الأمر بحكومة الوفاق الوطني أو البرلمان الوطني في طبرق، أو حتى قوات الجيش الليبي بزعامة اللواء خليفة حفتر، حيث يسعى الجميع إلى فتح جسور تعاون جديدة مع الجانب الروسي.
أما بالنسبة للتعاون الجزائري- الروسي، فيمكن القول إنه ظل ثابتاً لسنوات طويلة منذ استقلال الجزائر، حيث ساهمت روسيا في تطوير القاعدة الصناعية في الجزائر وبخاصة في مجال التعدين والصناعات البترولية والصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب،. كما أن التعاون الثنائي أخذ بعداً أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بعد تأسيس الجيش الوطني الجزائري الذي اعتمد على منظومة تسليح سوفييتية. وعرفت العلاقات الجزائرية الروسية تطوراً كبيراً بعد توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية ما بين البلدين سنة 2001، وتشير مختلف التحليلات إلى أن الجزائر وطدت شراكتها مع روسيا بشكل لافت للنظر، بعد تفشي حالة عدم الاستقرار في المنطقة على أثر اندلاع ما سمي بموجات الربيع العربي، التي حاولت الدول الغربية توظيفها من أجل العبث بأمن واستقرار العديد من الدول العربية.
ونستطيع أن نستخلص أن التعاون والتنسيق الروسي مع دول شمال إفريقيا مرشح خلال السنوات القليلة المقبلة للتطور بسرعة كبيرة وبشكل غير مسبوق، نتيجة لحاجة الطرف العربي إلى تنويع علاقاته مع القوى الكبرى من أجل التخفيف من حدة الابتزاز الذي يتعرض له من قبل القوى الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، وحاجة روسيا إلى دعم حضورها في حوض البحر الأبيض المتوسط من أجل مجابهة المحاولات الغربية الهادفة إلى محاصرتها على حدودها الغربية، من جهة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"