الديمقراطية لا تستجيب في الفراغ

03:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

ها قد بدأت المرحلة الأولى من السباق إلى كرسي الرئاسة في أمريكا لعام ،2012 ما يعني أن السياسيين سيبدأون بكشف أوراقهم على الملأ . وقد يكون من السابق لأوانه التكهن بأسماء مرشحي الأحزاب التي ستخوض المعركة الانتخابية، لكنّ نسبة الأصوات التي حصل عليها ميت رومني داخل الحزب الجمهوري تشير إلى احتمال تفوقه على غيره من المرشحين .

ميت رومني رجل أعمال ناجح لديه علاقات جيدة، كما أنه ذو دراية بالسياسة في أمريكا، فقد كان حاكماً لولاية ماساشوستس، وكان من أبرز المرشحين الذين خاضوا المعركة الانتخابية الرئاسية عام 2008 . ولعل اتباعه للطائفة المورمونية جعل مؤيديه أكبر عدداً .

ويرى الحزب الجمهوري في رومني الرجل الوحيد الذي يستطيع مناطحة مرشحي الحزب الديمقراطي، لكنه في الواقع ليس كذلك، فقد بدأت شبكة فوكس نيوز الإخبارية التي تعتبر آلة الترويج الكبرى للحزب الجمهوري، شن حملة على رومني تحدونا إلى الاقتناع بأن ذلك الرجل لا يصلح لأن يكون مرشحاً عن الحزب . ولطالما تعارضت أفكار رومني مع أعضاء الحزب الجمهوري، لكنه كان بكياسة الرجل الخبير، يعمل على التكيف معها والالتفاف حولها بأساليبه الخاصة . لكن هذه الحنكة التي تعتبر ميزة لا تدخل في المعادلة الانتخابية . فالسبب الرئيسي الذي جعل الأصوات داخل الحزب تؤيد هذا الرجل يعود إلى معتقداته الطائفية، فهو ينتمي -كما ذكرت آنفاً- إلى الطائفة المورمونية، وهي طائفة منشقة عن الديانة المسيحية وتتبع تعاليم كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة .

والمورمونية التي يعتنقها أكثر من 12 مليون شخص في العالم، عبارة عن حركة دينية ابتدعها بعض الأمريكيين وهي ذات معتقدات غريبة ذات مضامين سلبية . والمورمونية تشجع على تعدد الزوجات (بأعداد كبيرة)، وترفض رفضاً صارماً كل ما من شأنه أن يسبب الإدمان لدى الأفراد مثل التبغ والكافيين والكحول .

إن الديمقراطية المثالية التي تطمح إليها الولايات المتحدة يجب ألا تقوم على المعتقدات الدينية، وعلى الرئيس المنتخب أن يتمتع فقط بمؤهلات تخوله إدارة البلاد كما يجب . ففي مسودة التعديل الأول لقانون حقوق الإنسان تم فصل الدين عن الدولة، لكن المفارقة تكمن في أن الدين مازال عاملاً حاسماً في الانتخابات الأمريكية . فالرئيس السابق جون كنيدي دافع دفاع المستميت عن إيمانه بالمذهب الكاثوليكي في أحد خطاباته قائلاً: من الضروري أن أوضح للمرة الثانية أن مايهم ليس نوع الكنيسة التي أؤمن بها، مع أن لذلك أهمية بالنسبة لي، إنما ما يهم هو نوع أمريكا التي أؤمن بها .

إن ما يحدث في الواقع أبعد ما يكون عن المثالية، حتى في أكثر البلدان ديمقراطية في العالم حيث الرؤساء يناضلون لأجل المساواة وعدم التحيز لفئة دون أخرى . أما زال الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتعرض للانتقادات اللاذعة وللهجوم من منافسيه بسبب حقيقة معتقداته وخلفيته الدينية؟ البعض يقول إنه يعتنق الإسلام، والبعض الآخر يقول إنه يعتنق المسيحية ولا شك في إيمانه بهذا الدين . ويستند النقاد في ذلك إلى أن الرئيس أوباما كثيراً ما يذهب إلى الكنيسة، كما أنه غالباً ما يذكر الله في خطاباته .

في الشرق الأوسط، نلاحظ اختلافاً في ردود الفعل تجاه الأحزاب الإسلامية التي لا تحاول إقحام المعتقدات الدينية في الشؤون السياسية، فهي تركز على القضايا الكبرى بعيداً عن الدين، ومع ذلك فازت هذه الأحزاب بقوة ونالت ثقة الناخبين في كل من تونس ومصر والمغرب .

وقبل الآن، في عام 2002 نال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ممثلاً حزب العدالة والتنمية ذا الأكثرية الإسلامية غالبية أصوات الناخبين . والشعب الذي انتخب أردوغان، هو الذي كان ينتمي إليه كمال أتاتورك، الرجل الذي فصل الدولة عن الدين، ووجد في هذا الفصل الأسلوب الوحيد لتحقيق التقدم والازدهار .

حين تتكلم الشعوب تتوجه إلى رجال الدين، أكانوا مورمونيين في البيت الأبيض، أم إسلاميين في بلدان الربيع العربي حيث أبصرت الديمقراطية النور حديثاً . واليوم تناضل الأمم لأجل أن تقهر التاريخ وتخضعه لإرادتها .

لقد استشرى الفساد السياسي في العالم، وبات الوصول إلى مقعد في اللائحة السياسية مرهوناً باعتناق مذهب أو طائفة . إن الخوف كل الخوف من أولئك الذين يستغلون الدين لأجل تحقيق أهدافهم السياسية، والخوف كل الخوف أيضاً أن يتحولوا إلى مستبدين ديكتاتوريين وطائفيين .

إن الديمقراطية هي ما تطمح إليه شعوب العالم، وللوصول إليها لابد من معرفة قواعدها والالتزام بها، وذلك يستدعي احترام أصوات الشعوب مهما كان الصوت الذي تنادي به، حتى لو كان مورمونياً .

يجب علينا التنحي جانباً وترك المجال للديمقراطية لتشق طريقها، قبل أن ننادي بها في الفراغ .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"