السباق بين الانتخابات الرئاسية والفراغ في لبنان

04:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
دخل لبنان في المهلة الدستورية التي تحتم عليه انتخاب رئيس للجمهورية قبل 24 مايو/أيار المقبل وإلا وقع في المحظور أي الفراغ الرئاسي الذي قد يتبعه فراغ تشريعي بسبب اقتراب موعد الانتخابات النيابية في الخريف المقبل . ويبدو واضحاً بأن الاستحقاق الدستوري يقع تحت العنوان الأمني الذي بات طاغياً بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت البلد وفرضت على الأطراف الإقليمية والمحلية المسارعة إلى التوافق على حكومة جديدة بعدما كان الاستحقاق الحكومي قد علق في عنق الزجاجة طيلة عشرة شهور ونيف .
عندما استقالت حكومة الرئيس ميقاتي في مارس/آذار من العام الماضي فوجىء المراقبون بالمسارعة إلى تكليف الرئيس تمام سلام بأغلبية نيابية نادرة (124 صوتاً من أصل 128) وفسروه دليلاً على توافقات داخلية وخارجية حول تشكيل حكومة جديدة . لكن تبين بأن هذه التوقعات لم تكن في محلها إذ أن المفاوضات حول التركيبة الحكومية وتوزيع الحصص تطلبت أكثر من عشرة شهور طوال وكانت ستطول أكثر لولا تدخل دول إقليمية وسفراء غربيين لحث الأطراف المحلية على القبول بالصيغة التوافقية القائمة على حصول قوى 14و8 مارس/آذار والوسطيين (رئيسيّ الجمهورية والحكومة ووليد جنبلاط) على ثماني حقائب . الخوف من انفجار الأوضاع وانفلاتها دفع الجميع إلى خيمة "حكومة المصلحة الوطنية" . لكن مجدداً عكس الخلاف حول البيان الوزاري، والذي كاد أن يطيح الحكومة الوليدة التي هدد رئيسها بالاستقالة، عمّق انقسام الطبقة السياسية اللبنانية .
المهم أن هذه الحكومة ولدت أخيراً وباشرت العمل بحماسة وفعالية كما يبدو . إذ تكلل اجتماعها الأول بالنجاح والاتفاق بالإجماع على خطة أمنية طموحة لفرض الأمن في المناطق التي تسودها التوترات لاسيما طرابلس وعرسال، بما يشي بقرار سياسي كبير، من المؤكد أنه يحظى بدعمين إقليمي ودولي، لوضع حد للتفاقم الأمني . بالتوازي استمر الجيش اللبناني في حملته على الخلايا الإرهابية مسجلاً نجاحات واختراقات، كما دعا رئيس مجلس النواب إلى اجتماعات تشريعية مفتوحة بعدما اتفقت هيئته على تثبيت أكثرية الثلثين لنصاب كل جلسة انتخابية رئاسية فحسمت جدالاً دستورياً عقيماً .
اللافت في هذه الحكومة أن قوى 14 مارس/آذار تسلمت الحقائب الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب (الداخلية والعدل والاتصالات)، وجاء ذلك (بالصدفة؟) بعد القرارات الملكية السعودية بمكافحة الجماعات الإرهابية المقاتلة في سوريا التي يقوم بعضها بتصدير الانتحاريين والسيارات المفخخة إلى لبنان عن طريق "معابر الموت" الحدودية كما سماها وزير الداخلية الجديد، نهاد المشنوق أحد "صقور" تيار المستقبل .
الأجواء السائدة غداة مباشرة الحكومة اللبنانية لعملها توحي بتوافق داخلي، على الأرجح أنه انعكاس لاتفاق إقليمي ودولي على حماية لبنان من لهيب النار السورية التي إذا امتدت إليه فقد تتسع لتشمل المنطقة برمتها على خلفية توتر مذهبي لا مصلحة لأحد، ما خلا "اسرائيل" في تفاقمه . لكن هذا التوافق ليس من المؤكد بأنه سينعكس بالضرورة على الانتخابات الرئاسية بل قد تكون المرحلة مرحلة انتظار كلمة السر من الخارج، الذي لم يعثر حتى اللحظة على المرشح المنشود .
واللبنانيون باتوا مدركين للدور الخارجي في تقرير من سيسكن قصر بعبدا . هذا على الأقل ما أعلنه الجنرال ميشال عون وهو من أوفر المرشحين حظاً، في إحدى مقابلاته المتلفزة . واليوم بات اختيار الرئيس أصعب مما كان عليه في العقود السابقة . فخلال الوصاية السورية كان الاسم يأتي من دمشق . فعلى سبيل المثال، في العام ،1997 كان يكفي أن يرد في مقابلة للرئيس حافظ الأسد مع جريدة "الأهرام" المصرية بأن اللبنانيين مجمعون على التمديد للرئيس الهراوي حتى يلتئم مجلس النواب فيعدل الدستور ويصوت على التمديد . لكن إصرار بشار الأسد، في سبتمبر/أيلول 2004 على التمديد للرئيس لحود ،الذي كان يعارضه خصومه اللبنانيون إضافة إلى دول عربية نافذة وواشنطن وباريس، كلفه صدور قرار دولي (1559) يضع حداً للوصاية السورية على لبنان . وفي العام 2008 جاء انتخاب الرئيس ميشال سليمان بنداً في اتفاق الدوحة واعتبر انتخاباً لرئيس "عربي" (وليس سورياً) بناء على توازنات إقليمية ودولية عبر عنها الاتفاق المذكور .
السباق بين الانتخاب والفراغ الرئاسيين قد بدأ، ونتيجته هي التي ستحدد مدى قدرة الإجماع العربي-الدولي على حماية لبنان من أتون الحرب السورية التي تبدو من دون أفق، عبر الاتفاق على شخصية الرئيس المقبل لهذا البلد الصغير الذي آن الأوان أن يتوقف عن كونه مجرد ساحة لصراعات الآخرين .

د . غسان العزي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"