السياسة الخارجية الحائرة مع ترامب

03:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

أياً كانت الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتراجع في اللحظات الأخيرة عن ضرب إيران، فإن قرار الهجوم ثم الامتناع عن تنفيذه، يعكس حالة من غياب الرؤية والافتقار إلى إستراتيجية واضحة في إدارة الملفات والأزمات المهمة.
لا تخيم الأجواء الضبابية على موقف واشنطن من الأزمة الإيرانية فحسب؛ بل تمتد إلى مجمل سياستها الخارجية. ومنذ أشهر يتحدث الخبراء والإعلام الأمريكي عن حالة من التراجع والتردد، إن لم يكن الارتباك والتخبط، يهيمن على أداء الإدارة وتجعل الكثير من قراراتها ومواقفها غير مفهومة أو متوقعة.
أحد هؤلاء الخبراء وهو كورت ميلس المحلل في مجلة «ناشيونال انتيرست» له تفسير واقعي لهذه الحالة الغريبة، خلاصته أن الإدارة تفتقد الانسجام الداخلي، وأن ثقة ترامب تتأرجح من فريق إلى آخر، ما ينعكس على قراراته وسياساته. يرصد ميلس ثلاثة تطورات أو تحولات تؤكد ما يقول وتفسر الكثير من المواقف المتقلبة لترامب.
المتغير الأول هو تراجع دور ونفوذ جون بولتون مستشار الأمن القومي وأحد أكثر الصقور تشدداً في الإدارة، وهو من أقوى المتحمسين لضرب إيران وتغيير نظامها. يرى المحلل الأمريكي أن ترامب بدأ يبتعد عن بولتون أو يبعده عن بعض قراراته. وعلى حد وصفه، وبتعبير كرة القدم، أصبح المستشار يجلس على مقاعد الاحتياط في أحسن الأحول، إن لم يكن خارج تشكيلة فريق ترامب في أسوأها.
واختلافات الرئيس مع مستشاره للأمن القومي، وهو الثالث في أقل من ثلاث سنوات، لم تعد سراً، لاسيما بعد أن نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً في بداية الشهر الجاري كشفت فيه عن تدهور العلاقة بين الرجلين. ومما ذكرته أن ترامب يفكر في الاستغناء عن خدمات بولتون. وعلى حد قولها فإن الكيمياء بين الاثنين أصبحت مفقودة.
مقابل أفول نجم بولتون يسجل نجم وزير الخارجية مايك بومبيو صعوداً وتألقاً، وبات أكثر المقربين من ترامب وأهم من يستمع إليه من رجاله. ولكونه من الصقور المتشددين تبنّى بومبيو منذ توليه منصبه، توجهاً حاداً إزاء إيران، ولم يتردد في وصف قادتها العسكريين بأنهم قادة الإرهاب. غير أن موقفه بدأ يلين منذ أشهر وأوقف هجماته العنيفة ضد إيران وانتهى به الأمر حالياً إلى الدعوة للتفاوض معها دون شروط «أمريكية» مسبقة. أي لا يشترط تغيير سلوكياتها الإقليمية لبدء الحوار. نفس التحول الذي طرأ على موقف بومبيو اعترى موقف ترامب، ما يعني أن الوزير هو القوة المحركة الحقيقية لسياسات ومواقف الرئيس، أو على الأقل هناك انسجام واضح بينهما، وكلاهما يعزف اللحن نفسه.
يتعلق البعد الثالث والأخير بلاعب مهم في صناعة السياسة الخارجية هو جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره للشرق الأوسط. وهذا الشاب هو أقرب الناس إلى قلب الرئيس الذي يعتبره ابناً له. إلا أن المسافة السياسية تبدو أبعد من الروابط العاطفية والعائلية الوطيدة. وتتحدث وسائل الإعلام عن حالة من البرود تكتنف العلاقة بين كوشنر وبومبيو.
وقبل أسابيع نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مضمون تسريب صوتي مهم لوزير الخارجية يشكك في إمكانية نجاح صفقة القرن التي يتولى كوشنر إعدادها وتسويقها. في التسريب يتحدث بومبيو عن رأي المعنيين في الشرق الأوسط «والذين سيقولون إن الصفقة بها شيئان جيدان وتسعة أشياء سيئة.. وأنهم لن يشاركوا فيها.. وأن الإسرائيليين فقط هم من يحبونها.. وأنه شخصياً يفهم سبب ذلك». كما يشير إلى أن إعدادها استغرق وقتاً أطول مما تخيل.
أهمية التسريب ليست في فضح الخلاف بين كوشنر وبومبيو، ولكن في الكشف عن انقسام الإدارة إزاء الصفقة. الأكثر أهمية كان تعليق ترامب على رأي بومبيو؛ حيث رد بأنه «قد يكون على حق». لو كان هذا التسريب صحيحاً فإن معناه أن الخطة برمّتها مجرد اجتهاد لكوشنر وفريقه، وأن الإدارة لا تدعمها بالقدر الكافي أو لن تقاتل لتنفيذها، وهذا ما ستكشف عنه الأيام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"