الشارقة.. روح الثقافة وذاكرتها

02:11 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد عبدالله البريكي

تحت وطأة المعاناة التي أصبحت همّاً مشتركاً بين الأمم والشعوب، يضيء وجه آخر بقيمته الإبداعية ودلالاته في التمثيل الجمالي لجائحة كورونا، بصفته المعبر عن حركة الزمن الخارج عن إرادة البشر، هذا الوجه الذي دائماً يشرق في المحن هو الشعر، إذ لا يزال بريقه حاضراً في كل مكان، ولا تزال إمارة الشارقة تفتح منافذها لكي يظل قلادة كل العصور، فعلى الرغم من الكثير من الإجراءات التي اتخذت تماشياً مع الوضع الراهن بخصوص المطبوعات الإعلامية بأنواعها، تطل الشارقة بفاعليتها، وأثرها العظيم في دعم الضمير الشعري، حفظاً لقيمته الجمالية وفاعليته في الحياة العامة، لأنه بجماليّاته العميقة يلامس الوجدان الإنساني، فهو يستغرق في البحث والاستقصاء عن المفارقات والاتجاهات، وهو ما يسمح بالإمساك بتجليات اللحظة، واستحضار الصورة بكل دراميتها في الحركة، والسكون، على أنه من الوجهة الجمالية يظل الشكر موصولاً لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي يظل رمزاً خلاقاً في تاريخ الحياة الأدبية المعاصرة، بخاصة ما قدمه للشعر العربي، ومن ثم خلق هذا التواصل الرفيع بين المبدع والفضاء الذي ينمو فيه، ويكبر الرصيد الشعري في كل الأقطار، مدعوماً بتوجيهات سموه التي أسست لواقع شعري مرتبط بمنظومة القيم وحركة التطور الحضاري.
وفي هذه الأزمة التي تسهم في العزلة، تتوهج الشارقة وتستقبل الشعر عبر مطبوعاتها التي تحمل بيان الإبداع، وتعطي بارقة أمل ضد هزائم الإنسان، ومحاولاته التغلب على أزمة نادرة تؤرخ لمرحلة جديدة في الصراع الإنساني، ومن ثم التخفيف من هذه الضغوط المشروعة في صد هذه الرياح العاتية، والتي لا تزال تثير الشجن، لكنها في الوقت نفسه تفتح المجال للتسامح والتعاطف، انتصاراً لجمال الروح في هذا المشهد البصري الذي فتح منافذ التأمل الشعري بموضوعاته الطامحة، ولمحاته الخاطفة، ليظل الشعر واحة تتجاوز فيها الإنسانية الهموم، وتستشرف المستقبل بإيقاعات جديدة تعاين الآلام، وتبشر بحلم جديد للتعافي الكوني من هذه الجائحة الطاغية.
ومن خلال قراءتي للمشهد، أجد أن الشارقة النموذج الأمثل في تشكيل الوعي بقضايا الوجود بموقفها الفكري، وتمسكها بديمومة مشروعاتها الشعرية بوعي خلاق، لتظل في الذاكرة الإنسانية السيرة، والمسيرة، فتعطي للحياة مذاقها الجمالي وتؤسس حركة الحياة وأبعادها في أشد المحن التي يتعرض لها الإنسان، فالشارقة مهما بلغ الأسى بالإنسانية، وأغلقت منافذ الشعر هنا، وهناك، تظل هي شراع الشعر الذي يجدد جذوة اللغة في الأزمات، ويصهر حروفه في كل الحالات، فتضيء الذاكرة الإبداعية، وتتوهج وهي تطارد الخوف، وتعيد تشكيل الأوضاع برمزية الأدب واستغراقه في الحلم، فالشارقة هي روح الثقافة العربية، وذاكرتها التي تتتبع حركة الإبداع في كل مكان، وتبقى هي العلامة الفارقة في هذا العصر، وفي هذا التوقيت، تعبيراً عن الصمود، وتصدير الدهشة، وفتح كل النوافذ لتتواصل دهشة الشعر وجمال الأدب، وتتعاظم الأدوار الثقافية عبر مطبوعاتها التي وجّه بها صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي سيظل نبراس الثقافة وشعلتها المضيئة، تجسيداً للقيم، وإعلاء للتقاليد الإبداعية التي أرساها في محيطنا الإبداعي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"