العامل النفطي في النزاع السوري

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
كشفت الأزمة الأوكرانية عن تباين أمريكي-أوروبي عبرت عنه القمة الأمريكية-الأوروبية في بروكسل، غداة قمة الأمن النووي الثالثة في لاهاي حيث ألقى خلالهما الرئيس أوباما كلمات عبرت عن مثل هذا التباين . كما كشفت في الوقت نفسه عن خلافات بين الأوروبيين أنفسهم حيال العقوبات التي ينبغي اتخاذها بحق روسيا رداً على ضمها لشبه جزيرة القرم . والسبب الذي صار جلياً واضحاً هو حاجة بعض دول الاتحاد الأوروبي الكبرى لوارداتها من الغاز الروسي التي تصل الى 53% في حالة ألمانيا وإيطاليا و54% في حالة السويد ورومانيا و57% بالنسبة لتشيكيا وفنلندا، وتصل الى تسعين في المئة في حالة بولونيا وليتوانيا . لقد بينت هذه الأزمة أهمية الطاقة كعنصر ضغط في العلاقات بين الدول .
تهديدات بوتين المضمرة باستخدام سلاح الطاقة ضد أوروبا كانت لها مفاعيل واضحة على التعاطي الأوروبي مع الأزمة، وقراره بإلغاء الأسعار التفضيلية التي كانت ممنوحة لكييف أثر كثيراً في اقتصاد هذه الأخيرة الذي وقع في عجز مالي جديد، إضافة إلى العجز الذي كان يشكو منه . "حرب الغاز" هذه أعادت الى الأذهان موقع الطاقة في سياسة موسكو الخارجية لاسيما حيال سوريا .
فالجغرافيا السورية، بمحاذاة تركيا والعراق التي تملك واجهة بحرية عريضة، تجعل منها ممراً مثالياً لمرور الغاز من الشرق الأوسط الى أوروبا . ففي العام 2009 عرض أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة على الرئيس بشار الأسد مشروعاً لبناء خط أنابيب بين بلديهما يمر بالمملكة العربية السعودية والأردن بغية نقل غاز حقل الدمام الشمالي الواقع في الخليج العربي، إلى أوروبا . لكن دمشق، التي رفضت العرض القطري، وقعت مع طهران، في العام ،2011 اتفاقاً لإنشاء خط أنابيب بين سوريا وإيران مروراً بالعراق (خط الأنابيب الإسلامي)، وهو اتفاق حال النزاع السوري دون تنفيذه .
رهانات هذا النزاع النفطية تقع أساساً على المستوى الإقليمي وتساعد، ولو جزئياً، على شرح سلوك وسياسات بعض الدول المنخرطة في الشأن السوري . والحقيقة أنه إذا انتصرت المعارضة السورية فالاحتمال كبير أن يعود المشروع القطري الى الحياة، وهذا يشكل فرصة مهمة للاتحاد الأوروبي الذي يود ربط هذا الأنبوب بأنبوب نابوكو (لا يزال في بدايته) بغية التخلص من ارتهان أوروبا للغاز الروسي . وربما لهذا السبب يتمنى الأوروبيون سقوط نظام الأسد .
بالنسبة إلى إيران التي وقعت اتفاق بناء "البايب لاين الإسلامي" فإنها تدعم نظام الأسد، كما روسيا التي تنتظر وصل هذا الأنبوب بأنبوب ساوث ستريم الذي تملكه شركة غازبروم . من وجهة النظر النفطية، في ما يتخطى إيران وقطر وغيرهما، فإن الاتحاد الأوروبي وروسيا هما اللذان يتصارعان على المسرح السوري . منذ أشهر عدة سيطر الأكراد على المنطقة الشمالية-الشرقية من سوريا حيث توجد عدة حقول نفطية . وفي بداية العام 2013 قرر الاتحاد الأوروبي الرفع الجزئي للحظر المفروض منذ خريف العام ،2011 على النفط السوري والسماح لشركات أوروبية بشراء الخام السوري من الآبار التي يسيطر عليها الثوار، الأمر الذي شجع هؤلاء على السعي للسيطرة على المزيد من الآبار بغية تمويل نشاطاتهم .
ولكن تبين أنه على الرغم من أهمية المداخيل التي من المفترض أن تؤمنها هذه الآبار، إلا أن إمكانية استغلالها تبقى ضعيفة جداً بالنسبة للمعارضة السورية . فتصدير البترول أو الغاز عن طريق البحر يمر بالمناطق الغربية حيث توجد شبكات الأنابيب التي يسيطر عليها النظام . البديل الوحيد هو نقل البترول بالصهاريج عن طريق تركيا والعراق، وبكميات محدودة في هذه الحالة ناهيك عن المخاطر الشديدة الناتجة عن الحالة الأمنية .
كما تبين أن استخدامها للاستهلاك المحلي ليس سهلاً البتة هو الآخر لأن مصافي النفط واقعة في مناطق يسيطر عليها النظام . لهذه الأسباب فإن مصادر الطاقة في سوريا لا تصلح لتكوين قاعدة صلبة لبزوغ كيانات سياسية جديدة . وعلى كل فإن مثل هذه الكيانات لا تحتاج فقط الى النفط لتظهر الى الوجود . ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أعلنت الأحزاب الكردية السورية تشكيل حكومة أمر واقع في المناطق الشمالية-الشرقية التي تسيطر عليها على الرغم من صعوبة استثمار النفط الذي تحتويه .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"