العنصرية.. رهان ترامب الانتخابي

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لا نهجو أمريكا عندما نقول إن ماضيها كان ملطخاً بالعنصرية، فذلك ما يشهد به التاريخ. ولا نسيء إليها عندما نؤكد أن حاضرها أيضاً، لا يخلو من نفس التشوه الأخلاقي الكريه، وهو ما يشي به سلوك الأحفاد الذين يحمل الكثير منهم نفس الجينات العنصرية الموروثة من الأسلاف.
والرئيس دونالد ترامب، واحد من الأحفاد المشبعين بكراهية كل من هو مختلف في اللون أو العرق؛ لذلك لا تثير تصريحاته العنصرية ضد أربعة من عضوات مجلس النواب من أصول غير أمريكية، أو غير بيضاء، الدهشة، ولا تمثل شيئاً غريباً أو شاذاً، في مجتمع لم يبرأ بعد من ماضيه المخجل.
لا نقول إن الولايات المتحدة كلها عنصرية أو أن الأمريكيين عنصريون بطبيعتهم، ولكن بعضهم كذلك بلا أدنى شك. ومن هذه البيئة الموغلة في التحيز لكل من هو أبيض، خرج ترامب. وهو بالتالي لا يعبر عن نفسه فقط؛ بل عن قطاع كبير من الأمريكيين بمن فيهم سياسيون كثيرون تمنعهم حساباتهم الانتخابية من كشف توجهاتهم الحقيقية. ولعل هذا هو الفرق الحقيقي بين ترامب وغيره من السياسيين، وبعض الرؤساء السابقين، فهو على العكس منهم يعبر علناً عما يعتقده، ولا يبالى ولا يخجل.
غير أن ترامب لم يستيقظ فجأة ليكتشف وجود أربع عضوات مزعجات من أصول مهاجرة في الكونجرس. ولم تلح عليه بصورة مباغتة مشاعره العنصرية أو كراهيته المتأصلة للأجانب، ولكنه يفعل ذلك الآن باختياره ولأغراض محددة، وفي توقيت مدروس بعناية، لخدمة أهداف حملته الانتخابية.
يرى ترامب أن مصلحته الانتخابية تتحقق من خلال إغراق الرأي العام في متابعة معركة واسعة وشرسة حول العنصرية والمهاجرين، ثم بعد ذلك فرص العمل التي يستحوذ عليها هؤلاء، وكذلك ما يرتبط بوجودهم من مخاطر أمنية.
يعتبر الرئيس أن تلك هي ورقته الرابحة وسلاحه السحري في كسب الرأي العام، وضمان التفاف الجمهوريين حوله، فضلاً عن إرضاء قاعدته الانتخابية الأساسية المكونة من أصحاب الأعمال والمتشددين اليمينيين. ولا يخفى عليه أن إثارة قضية العنصرية وعضوات مجلس النواب، تسبب خلافات داخلية في صفوف الديمقراطيين حول أسلوب معالجة القضية. في الوقت نفسه، فهو يستدرجهم إلى معركة يُبعدهم من خلالها، عن طرح قضايا أخرى ليس من مصلحته التركيز عليها في الحملة الانتخابية.
استراتيجية ترامب تلك تلخصها بعض وسائل الإعلام الأمريكية في كلمتين فقط، هما: «نحن وهم»؛ أي نحن الشعب الأمريكي وهم الغرباء القادمون من بلاد يريد ترامب أن يعودوا إليها لإصلاح مفاسدها وعجز حكوماتها، بدلاً من انتقاد حكومة الولايات المتحدة على حد تعبيره.
ويعتقد ترامب أنه كلما فجر مشاعر قومية طاغية بين الأمريكيين، كلما زاد ذلك من فرص إعادة انتخابه في 2020.
وإذا كان السياسيون الأمريكيون يلتزمون الصمت حيال تصريحاته العنصرية؛ بل قد ينتقدونه أحياناً، فهو لا يشك لحظة في اتفاقهم الكامل معه؛ بل لديه ثقة وهذا صحيح بالفعل أن قطاعاً كبيراً من الأمريكيين يؤيده، حرصاً على فرص العمل التي يزاحمهم فيها المهاجرون.
يضع ترامب الديمقراطيين أيضاً نصب عينيه، وهو ينفذ هذه الاستراتيجية الانتحابية، فلديه يقين بأن المعركة حول العنصرية والهجرة هي نقطة ضعف ديمقراطية مهمة. وقبل أسبوع أعاد أحد محرري شبكة «سي إن إن»، بث تغريدة قديمة كتبها ستيف بانون، المستشار السياسي السابق لترامب، وأحد غلاة اليمين المتشدد، تؤكد أن ما يعتقده ترامب في هذا الصدد ليس مجرد وجهة نظر شخصية؛ بل توجه عام سائد بين الجمهوريين.
يقول بانون في تغريدته القديمة: «نريدهم أن يتحدثوا عن العنصرية كل يوم، يقصد الرأي العام والإعلام، وإذا تركزت حياتنا حول هذه القضية فسنسحق الديمقراطيين».
هذا بالضبط ما ينفذه ترامب الآن؛ المجاهرة بآراء عنصرية كريهة، وبث الخوف والكراهية في نفوس مواطنيه تجاه الأجانب. يفعل ذلك عامداً متعمداً، ولا يبالي بأنه يقترف إثماً كبيراً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"