الغزو الفكري والإنسان العربي

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي

مما لا شك فيه بأن القوى الاستعمارية ومنذ عقود طويلة كانت تحاول عسكرياً أن تغزو الدول العربية والإسلامية؛ ولكن بدون جدوى، فكانت نهايتها هزائم تلو الأخرى؛ ولذلك كان على هذه القوى أن تلجأ إلى أساليب جديدة، ولعل التاريخ يسجل مقولة لويس التاسع ملك فرنسا، عندما أسر بعد معارك طاحنة مع المسلمين، وبعد عودته من أسره بفدية كبيرة؛ حيث قال مقولته ووصيته المشهورة المذكورة في بعض الوثائق المحفوظة: «إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة الغزو الفكري»، وللأسف تحققت هذه الوصية اليوم في غزو الفكر العربي في كثير من البلدان العربية، والذي قد غيب عقول كثيرين من أصحاب الرأي والقلم، وللأسف فإنهم اليوم يشكلون فئة ليست بقليلة، ويؤثرون في الشارع العربي.
مر الغزو الفكري للإنسان العربي بمراحل عدة، وتطور هذا الغزو منذ الخمسينات مع ظهور أولى القنوات العالمية، فقد بدأت حملات عالمية كبيرة؛ لغزو الفكر العربي والإسلامي، إيماناً منهم بأنه هو السلاح الفتاك، وبدأت قنواتهم بنشر سمومها تحت شعارات براقة؛ مثل: الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، فنشرتها بلسان العرب على لسان إعلاميين مؤثرين في الشارع العربي، الذين غذوا الشعوب العربية بمفاهيم مغلوطة حول أنماط ثقافية، وأساليب التغيير الفوضوي للواقع، بما يخدم الإعلام الأجنبي المهتم بالغزو الفكري للإنسان العربي.
وفي المقابل ومع ظهور القنوات العربية لم تقم الكثير من هذه القنوات بنشر الوعي، وتحصين العقول العربية؛ بل اهتمت بأمور أخرى كالفن وأحدث المسلسلات وما يدر عليها من الأرباح، وتماهت مع الغزو الثقافي غير النافع فكرياً للإنسان العربي، وللأسف فإن بعض القنوات العربية أصبحت الذراع اليمنى للقنوات الأجنبية في تمكين غزو الفكر العربي وتخريبه.
تعاني اليوم دول عربية سرطاناً قاتلاً يحاول أن يغزو فكرياً عقول مواطنيها، وها هي قناة «الجزيرة» القطرية، التي مثلت النموذج الأسوأ للغزو الفكري تقوم بهذا الدور. فأصحاب العقول المغيبة المتأثرة فكرياً بهذه القناة يتسمون بصفات تميزهم عن غيرهم، فأولى هذه الصفات هي أنهم لا يملكون الولاء لأوطانهم وحكوماتهم، وهذه أول خطوة تقوم بها قناة «الجزيرة»؛ لتغييب العقول، ومن الصفات الأخرى التي يتسمون بها كره الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية والدول المقاطعة لقطر. فرغم أن الحوثي يوجه صواريخه إلى مكة المكرمة؛ المدينة المقدسة لكل مسلم على وجه الأرض التي توجد فيها الكعبة قبلة المسلمين، ويوجد بها المسجد الحرام وهو أعظم مسجد في الإسلام إلا أنهم يتعاطفون جداً مع الحوثي، ولا يبالون بمكة المكرمة. فهذه العقول المتحجرة أغوتها قناة «الجزيرة» فلم تعد تبالي حتى بدينها وكرامتها ومبادئها، وكل ما يقال على قناة «الجزيرة» القطرية تأخذه هذه العقول بعين الاعتبار، ولهذا رأت دول عربية بأن حجب هذه القناة هو ضمان لمنع الغزو الفكري لمواطنيها، وهذا القرار تجده هذه الدول سيادياً وحماية لمواطنيها من الغزو الفكري المنحرف.
ولعل المرحلة الأهم في عصرنا الحديث، بدأت مع الثورة الإعلامية الرقمية والنقلة النوعية الكبيرة لوسائل الإعلام، وبالأخص ثورة مواقع التواصل الاجتماعي التي لها سلبياتها وإيجابياتها والتي اجتاحت كل بيت في الوطن العربي، وقد أثر ذلك في الفكر العربي إيجابياً، كما أثر أيضاً سلبياً في مجالات عدة؛ جرّاء ما ينشره مستخدموه سواء دينياً وثقافياً وأخلاقياً وفكرياً وسياسياً من مواقف خلقت انحرافاً سيئاً في فكر الإنسان العربي.
فالغزو الفكري هو من أخطر الأسلحة في عصرنا التي تستخدمها القوى الخارجية ضد شعوبنا العربية والإسلامية، وخطورته تفوق الأسلحة الفتاكة العسكرية، مستخدماً الإعلام في ذلك كوسيلة رئيسية؛ لتحقيق أهدافه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"