الفساد والإفساد و«جماعة المؤامرة»

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

في غير بلد عربي أصبح الفساد والإفساد منظومة متكاملة، حيث إن السلطة السياسية وحاشيتها من الفاسدين والمستفيدين، أصبحوا في حالة انفصال كاملة عن احتياجات الشعب.
كلّما نَزلت جموع البائسين إلى ساحات المدن أو العواصم العربية لتطالب بثلاثية الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كان لها بالمرصاد «جماعة المؤامرة» الذين يرون أن أي تحرك من هذا النوع هو مؤامرة يحيكها أعداء الوطن والأمة، للنيل من تماسكه، ولإشاعة الفوضى والانقسام، وتمزيق وحدة الصفّ، وإلى ما هنالك من مصطلحات يضجّ بها قاموس هذه الجماعة.
مؤخراً، شهد العراق مظاهرات في العاصمة بغداد، وتحديداً في محيط المنطقة الخضراء، وهي مقرّ السفارة الأمريكية، وسفارات أخرى، وفيها مبانٍ حكومية عديدة، وكانت هتافات المحتجين، ومعظمهم من جيل الشباب، تطالب بمحاسبة الفاسدين، وإيجاد فرص عمل، وإخراج إيران من العراق، وقد قمعت قوات مكافحة الشغب هذه المظاهرات، إضافة إلى إصدار قرار بمنع حظر التجوّل. لا يشكّل العراق حالة استثنائية عن الكثير من البلدان العربية، من حيث استشراء الفساد، بل تكمن استثنائيته في فانتازيا التناقضات، حيث لا يمكن تصديق ما جرى ويجري، فهل يعقل أن العراق الذي يعد رابع أكبر دولة منتجة للنفط الخام في العالم، بحسب وكالة بلومبيرج الأمريكية، توجد فيه مناطق كاملة لا يصلها التيار الكهربائي؟ وهل يعقل أنه لا يستطيع تأمين وظائف لمواطناته ومواطنيه، وأن أعداداً كبيرة من الشباب العراقيين، وأحياناً العائلات، يهاجرون في رحلات بحرية أو برية محفوفة بالمخاطر نحو أوروبا، هرباً من جحيم الحياة الاقتصادية والمعيشية؟
العائدات المالية الشهرية للنفط العراقي تتراوح بين سبعة إلى ثمانية مليارات دولار، أي أن متوسط العائدات السنوي يصل إلى نحو 90 مليار دولار، بينما يبلغ عدد السكان نحو 38 مليون نسمة، وهو ما يعني أنه لا يوجد أي مبرر منطقي لأن يكون هناك فقير واحد في العراق، لكن هذا البلد منذ عقد ونصف العقد من الزمان أصبح بيئة طاردة لسكانه، خصوصاً الأكاديميين والأطباء والمهندسين وغيرهم من الكفاءات، نتيجة للبيئة الطائفية والمحسوبية التي تحكم عمليات التوظيف في مؤسسات الدولة، بينما يتمتّع كبار السياسيين بامتيازات خيالية، وأرصدة مالية هائلة، كما أن بعضهم لا يتوانى عن الاعتراف بفساده، على قاعدة «كلّنا عميان».
أما الحسّ الوطني الذي يجب أن تتمتع به النخب الحاكمة، والذي يعني عدم القبول بهيمنة أي دولة أخرى على القرار السيادي، فإنه غائب في الحالة العراقية، فأمريكا وإيران تسيطران على القرار السيادي، كما أن النخب السياسية نفسها تتنافس على حيازة ودّ طهران، والتقرّب من مسؤوليها السياسيين والعسكريين.
في سوريا أيضاً ساءت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان بعد عام 2000، مع كل الامتيازات الذي يملكها هذا البلد، من جغرافيا ومناخ وسياحة وتجارة واكتفاء زراعي، خصوصاً القمح، مع عدد سكان كان يبلغ آنذاك نحو 17 مليون نسمة، لكن البطالة وصلت في أوساط الشباب في عام 2003 إلى نحو 34%، في ظل تحوّل اقتصادي من القطاع العام إلى القطاع الخاص، ومن ثم إمساك مجموعة صغيرة من المقربين من السلطة السياسية بعملية توزيع الأعمال ضمن القطاع الخاص نفسه.
الأوضاع ذاتها، بشكل أو بآخر، موجودة في غير بلد عربي، حيث أصبح الفساد والإفساد منظومة متكاملة، وحيث إن السلطة السياسية وحاشيتها من الفاسدين والمستفيدين، أصبحوا في حالة انفصال كاملة عن احتياجات الشعب، وهم لا ينظرون إلى أفراده بوصفهم مواطنين متساوين معهم في الحقوق والواجبات، بل مجرد أدوات لتحقيق طموحاتهم، وزيادة ثرواتهم.
الأنظمة العربية التي لم تستطع أن تحقق لشعوبها أبسط مقومات الحياة الكريمة، لا تزال تناور من أجل إجهاض أي حركة تغيير، للاحتفاظ بما حققته من مكاسب وامتيازات ونفوذ، كما أنها، وفقاً لتجربة السنوات الماضية، لا تبدو مستعدّة لتقديم أي تنازلات حقيقية لشعوبها.
هذه النظرة الاستعلائية تجاه الشعوب تعكس إلى أي حد تقلّصت فيه الدولة الوطنية العربية، وأن مفهوم السلطة السياسية حاملة المشروع الوطني تقلّص إلى مفهوم النخبة الحاكمة، والمهيمنة، والساعية إلى الاستمرار في الحكم بأي شكل من الأشكال، ومن دون أي حساب لخطورة هذا السلوك الذي أصبحت نتائجه معروفة.
«جماعة المؤامرة» لا ترى إلى أي حدّ قُهرت الشعوب، وإلى أي حد سُلبت كرامتها، ومستعدة لاتهام المقهورين والمهمشين بأنهم أعداء الوطن، الذين يستجلبون التدخلات الخارجية، وكأن من أفقروا البلاد والعباد كانوا يحافظون بذلك على منعة الوطن!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"