القصيدة في القاسمية

03:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

تثبت اللغة العربية يوماً بعد آخر، أنها قادرة على النفاذ بطرق مختلفة، والولوج إلى عوالم متعددة، فهي الضوء الذي يتسلل من كوة الجمال لينير دروب العتمة، والشعر العربي أحد مكونات اللغة، ولذلك تجد الحاجة إليه تزداد من العرب وغيرهم، ما يعطي اللغة العربية مكانة مرموقة، ومنزلة رفيعة بين الأمم، بما يمتلكه هذا الشعر من خصائص يلتقي عليها الكثير من الناس، ويطلبها العديد من الراغبين في التعبير عن خلجات نفوسهم بأسلوب يستطيع أن ينسلّ برشاقة إلى الروح فيوقظها من سباتها، ويخرجها من دهاليز أحزانها إلى عالم التألق، والإبداع، والسحر.
لقد غمرتني السعادة وأنا أحضر فعالية عن يوم الأم في الجامعة القاسمية بالشارقة، وهو يوم اجتمعت فيه أيضاً أمومة السعادة، وأمومة القصيدة، لما للأم من صفة الاحتواء، وتقديم كل ما من شأنه رسم الفرح على الجميع، ولم يكن حضوري هذا النشاط الأدبي ومشاركتي فيه هو وحده الحدث السعيد، لكن مساحة السعادة اتسعت كثيراً وأنا أستمع إلى مجموعة من الطلبة غير العرب، وهم يقدمون الدهشة، ويلونون الدقائق بالجمال، ويروون عطش الذائقة بماء القصيدة، هذه القصيدة العربية التي تسللت إلى أرواحهم، وسلبت عقولهم، واستحوذت على مساحة من تفكيرهم، فكتبوها بلغتها، وأبدعوا في ضبط إيقاعاتها، وحلقوا في خيال شفيف معتمدين على لغة تظهر مفاتنها، وتسحر بعذوبتها.

إن هذه الفعالية لم تكن حدثاً عادياً، أو مناسبة تنتهي بالتكريم في نهايتها، وتبادل الهدايا، بل أعطت مدلولاً واضحاً على الدور الكبير الذي تقوم به إمارة الشارقة في نشر المعرفة، والحفاظ على اللغة، والشعر، وتقديم الدعم الكافي ضمن رؤية ثاقبة، ودعم سخي من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، فقد أثبت هؤلاء الطلبة غير العرب أن اللغة العربية لغة عالمية، وأن الشعر العربي بموسيقاه هو الماء العذب الذي يروي المشاعر، ويهدئ الروح، وأن الشارقة بما تقدمه من عطاء لا ينقطع للثقافة هي الشجرة المباركة الوارفة التي تغرد على أغصانها كل عصافير الشعر، وهي ترسم الفرح، وتخاطب الإنسان، وتهز الوجدان، فقد تجاوزت اللغة الحدود، وقطعت المسافات لتصل إلى أرواح وجدت فيها العذوبة والسحر، فسعت بجد وإخلاص إليها، ووفدت لتستزيد من فيضها، وتنهل من عطائها، وتستظل بفيئها، وتهيم عشقاً بالشعر العربي الآسر بإيقاعه، ولغته، وصوره، وخياله، كأن أبي تمام يتجلى في هذا المقام ليقول:
إن نختلف نسباً يؤلّف بيننا
أدبٌ أقمناهُ مقامَ الوالدِ
وإذا كنا نؤمن بأن الشعر العربي متجذر بإبداعه محلياً، وأنه زاد الناس، وهواؤهم، وغذاؤهم، إلا أن هذا الإيمان يزيد، والطمأنينة تكبر، حين تجد مجموعة كبيرة من غير العرب يقدمون للشعر وللعربية نماذج مكتملة الشروط والأركان من القصيدة العربية، وهو ما يؤكد أن الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل إيصال هذه المعرفة إلى الآخر لم تذهب سدى، وأن العربية جاذبة للنفوس، ساحرة للمشاعر، وقد فتحت لي هذه المشاركة باباً واسعاً، وفضاء فسيحاً للتعرف إلى العديد من الطلبة الذين يكتبون القصيدة العربية، خصوصاً من السنغال، فقد سبق هذا أن تمت استضافة الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب في مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الأخيرة في يناير/ كانون الثاني من هذا العام والذي ينظمه بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة، فأدهش بما قدم، وها هي الدهشة لا تنقطع، حيث توصلت إلى مجموعة من الطلبة غير العرب، واقتربت من إبداعاتهم، وهو ما يفتح الطريق لعقد لقاءات مختلفة من أجل تقديم هذه الأسماء وإيصال صوتهم إلى عشاق اللغة، والشعر العربي الخالد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"