المتحاربون حين يجمعهم هدف واحد

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني
ليس هناك قيمة أو معنى لأي مبادرة جديدة للمبعوث الدولي إلى اليمن، وكل دلو له لا يبدد اليقين بانسداد أفق التسوية السياسية بجدار أصلب مما يستطيع كسره وما تقدر المنظمة الدولية على اختراقه. المسألة وثيقة الصلة بأخطبوط الإرهاب المدعوم من دول تمول وتؤوي وتوظف آلة إعلامية تختزل كل ميراث الدعايات الهدامة منذ الإرجاف في البوادي حتى آخر صيحات الدعاية الصهيونية. ومن عجب أن القوى المتلفعة بالدين شديدة الإخلاص للنازي غوبلز في إصرارها على الكذب مرة وثلاثة حتى تصدق نفسها.
في اليمن تضخ إيران في شرايين الحوثيين كل عوامل القوة من الخبراء والقادة والسلاح والدعم اللوجستي والإعلامي. وفي اليمن تغدق قطر على حزب الإصلاح الأموال بأرقام فلكية وتدير وتموّل قنواتهم الفضائية وتسخّر قناتها المعروفة لتدريب كوادرهم فضلاً عن دورها المباشر. وحيث يشتبك الحوثيون والإخوان في حرب ضد بعضهما يتبادر إلى الأذهان أن دولتي الإسناد في حالة عداء وأن مشروعيهما في اليمن لا يلتقيان، ثم تتكشف الحقيقة القاسية أن حبلاً سرياً يربط قطر بإيران ولكن بما يخالف نواميس الطبيعة. والصلة الحميمة بينهما مفهومة فيما يتعلق بإيران الطامعة بإمبراطورية والمندفعة إليها لكن العصي على الفهم موقف قطر إلاّ من زاوية ولعها بالشر والشهرة.
لم تكن هناك أغطية كي تنقشع وتكشف الفضائح والفظائع قبل أن يفيض الكيل بدول فشلت بالدبلوماسية في إقناع الشقيق بالكف عن الأذى وقررت أن تتكلم وتتصرف. في أحد الأيام قال برلماني مصري ورجل قانون إنه سأل حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق عن دافع بلاده لهذا الدور وجاء رده العجيب أنهم يتأسون ب«إسرائيل» الدولة الصغيرة ذات التأثير الهائل في السياسة الدولية. وكانت إجابة صادمة وكاشفة عن عدم ثقة واحتقار للنفس، ولو أرادت قطر لأخذت مثال لوكسمبورج ودورها المؤثر في السياسة الدولية من خلال عضويتها في الاتحاد الأوروبي. لو فعلت كانت ساهمت بثروتها في بناء عالم عربي يضعها في مكان لائق على المسرح الدولي. لقد نسوا في الدوحة أن وراء «إسرائيل» الحركة الصهيونية بمشروع لا يحمل مثيله الإخوان المسلمون، كما أن الثروة الريعية المحققة من حقل الغاز لا توفر أسباب التحكم بمصائر ومقادير تملكها حركة يمسك أفرادها بالذكاء والدهاء مفاتيح الاقتصاد والسياسة والإعلام في العالم. إن قطر بمحاولة امتلاك القوة لم تفعل أكثر من وضع نفسها في خدمة «إسرائيل» ومشروعها الصهيوني وفي خدمة إيران وطموحها الإمبراطوري غير عارفة أن نجاح الأخير يمكن أن يحيلها إلى ولاية إيرانية مخصوماً منها سلطة آل ثاني.
ورغم أن هناك مشكلة بسبب مطامع طهران وسذاجة قطر ، إلا أن المشكلة الأكبر تتمثل في القوى الدولية التي تدير الصراع في الشرق الأوسط. لقد انزلقت إيران من قيود الحصار الاقتصادي بثمن صغير لا يلغي مشروعها النووي ثم ذهبت تتحدى بمشروع آخر للصواريخ الباليستية،ولم يثر هذا غضاضة الغرب مثلما تملّكه الغضب إزاء كوريا الشمالية التي لا يساعدها حجمها ولا اقتصادها ولا موقعها على مضاهاة الخطر الإيراني. وفي أمر قطر لم تكشف الدول الغربية عن التغاضي وإنما عن الموافقة، وقد فضحتها الأزمة الأخيرة بلا التباس. قبلها كان الناس يعتقدون بأنهم في الغرب يعرفون ويسكتون وبعدها تبين أنهم يعرفون ويشجعون. والشاهد أنهم أمسكوا العصا من وسطها وتظاهروا بالحرص على تهدئة التوتر من دون موقف حازم يخضع قطر للمساءلة خلافاً لما كان مع سوريا عندما وقع العقاب دون إدانة ومن غير تحقيق.
أعود إلى اليمن وأقول إن الحوثيين والإخوان يقفون على جبهة واحدة في الحرب على اليمنيين، وأن قادة الإخوان يدركون ما يفعلونه بنظرة تراعي مصالح خاصة وآنية. ولذلك فإن ميليشياتهم تشن غارات على عناصر المقاومة الأخرى المساندة للحكومة وتمارس انتهاكات تتضاءل أمامها تجاوزات الحوثيين، والإخوان يعملون بشتى السبل على تأجيل الحسم العسكري ولا يتركون حيلة لإضعاف القوات المسلحة ومنها الدفع إلى قياداتها بعناصر غريبة عن الجيش وغير مؤهلة. على أن هذا يجب أن يتم بكثير من الحكمة لكي لا يقفز الإخوان من الخدمة السرية للحوثي إلى التحالف الصريح معه. وفي النهاية فإن الحل لم يعد في الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن. لعل القليل منه هناك والكثير في يدي الحكومة الشرعية ودول التحالف حتى لا تكتشف هي الآخرى أنها تحارب معركة إيران وقطر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"