المجد ببطاقة ائتمان

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

قبل 15 عاماً نحت الصحفي الاستقصائي الأمريكي يوري فيدمان، عبارة ساخرة أصبحت شهيرة بعد ذلك، هي أن أمريكا تحارب الإرهاب ببطاقة ائتمان. بمعنى أنها تمول حروبها الخارجية بالاستدانة؛ أي تنفق مما لا تملك على حروب بلا نهاية.
والقراءة المتأنية لبنود الميزانية الأمريكية الجديدة التي تعيد إلى الذاكرة تلك الكلمات، تُفضي إلى نتيجة خطرة وحقيقة مؤلمة، هي أن أمريكا أصبحت أمة غارقة في الديون، والعجز المالي، وأنها تعاني خللاً واضحاً في إدارة وتوزيع مواردها وثرواتها الهائلة.
لذلك يحذر الاقتصاديون من تدهور الأوضاع المعيشية في ظل توجيه مزيد من الموارد للإنفاق العسكري، على حساب برامج الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة وغيرها. ويتضمن مشروع الميزانية استقطاعات بقيمة 2,7 تريليون دولار في هذه البنود، خلال العقد المقبل، ما يعني مزيداً من التراجع في الخدمات العامة، والبنية التحتية التي تزداد تقادماً؛ أي انخفاض عام في مستوى رفاهية ومعيشة المواطن العادي.
عندما رشح الرئيس دونالد ترامب نفسه للرئاسة أطلق شعاره الشهير: «تجفيف المستنقع»، مشيراً إلى النخبة السياسية التقليدية التي جاء من خارجها ويتهمها بالفساد، إلا أنه بعد عامين فقط من حكمه خلق مستنقعاً آخر أشد خطورة هو عجز الميزانية، ومن ثم الديون التي قفزت خلال هذين العامين نحو ثلاثة تريليونات دولار لتبلغ 22,5 تريليون دولار.
ووفقاً لتقرير أصدرته اللجنة الاستشارية للخزانة، وهي هيئة من خبراء مستقلين، تقدم استشارات دورية لوزارة الخزانة، سيكون من الضروري إصدار أذون خزانة بقيمة 12 تريليون دولار خلال العقد المقبل، لسد عجز بنحو تريليون دولار سنوياً، من 2018 إلى 2028، وبهذا تقفز الديون إلى 34 تريليون دولار بنهاية هذه الفترة.
أما مكتب أبحاث الميزانية في الكونجرس، وهو جهة بحثية غير حزبية، فلديه دراسة أخرى توضح أن الوفاء بخدمة 34 تريليون دولار، ديوناً، يتطلب تسديد 900 مليار دولار سنوياً بحلول 2028.
إنها الكارثة الحقيقية، أو نذير الإفلاس، أو القنبلة التي صنعها ترامب، وتوشك أن تنفجر. هذه الأوصاف أو التوقعات المتشائمة ليست لنا، ولكن لاثنين من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين هما جون وايتهيد، رئيس معهد روثيرفورد للأبحاث، والدكتور جاك راسموس. وقد نشر الاثنان دراستين مهمتين الأسبوع الماضي، تتضمنان تحليلاً مطولاً ووافياً للميزانية.
الجانب الآخر من الأزمة يزيد الصورة وضوحاً، فمقابل الاستقطاعات في بنود الخدمات الاجتماعية والتعليم وغيرها، ستسكب الحكومة مليارات إضافية في ميزانية الدفاع. والحقيقة التي تعيد الدراستان التذكير بها، هي أن أمريكا التي لا يزيد عدد سكانها على 5% من تعداد العالم، تستحوذ على 50% من الإنفاق العالمي على التسلح والدفاع، ويزيد إنفاقها على الدول 19 التالية لها، مجتمعة.
ومنذ هجمات سبتمبر 2001، أنفقت أمريكا ما يقرب من ستة تريليونات دولار على حروبها الخارجية. ومن الأرقام المثيرة للدهشة التي تسردها الدراستان، أن وزارة الدفاع تُنفق على الحروب أكثر مما تنفقه الولايات الأمريكية الخمسين مجتمعة على التعليم والصحة والرفاهية الاجتماعية.
ويبلغ معدل الإنفاق الحكومي على الأمن والدفاع 32 مليون دولار كل ساعة. وخلال حرب العراق كان ما تنفقه الحكومة كل خمس ثوانٍ، يزيد على ما يكسبه المواطن الأمريكي في المتوسط كل عام.
ولأن أمريكا امبراطورية عسكرية حقيقية، فلديها فاتورة هائلة لتمويل أكثر من ألف قاعدة عسكرية تابعة لها في أنحاء العالم، بينما تنشر 1,3 مليون جندي في 177 دولة.
ومن المتوقع أن تقفز الحرب المستقبلية والنفقات الدفاعية بالفاتورة إلى 12 تريليون دولار عام 2053. يبقى بعد ذلك السؤال الأهم وهو: هل جعلت أمريكا العالم أكثر أمناً بعد هذا الإنفاق العسكري الهائل؟
أصحاب الضمائر الحية يُجيبون بالنفي، ويترحمون على أرواح 500 ألف إنسان شاركت أمريكا في قتلهبم خلال حروبها الخارجية منذ 2001، هذه الحروب لم تتوقف، وتكفي الإشارة إلى أن أمريكا ما زالت تلقي قنبلة كل 12 دقيقة، على رؤوس الناس في مكان ما في العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"