المخاطر الحقيقية للسياسات الحمائية

03:42 صباحا
قراءة 4 دقائق

كرر الزعماء الأوروبيون قبل ايام في قمة الاتحاد الأوروبي التأكيد على عدم فرض إجراءات حماية وطنية وتعهدوا بالحفاظ على حرية التجارة العالمية . ومنذ نهاية الصيف الماضي، حين احتدت الأزمة العالمية، لا يكاد يمر أسبوع من دون انعقاد قمة أو مؤتمر أو لقاءات رسمية على مستويات مختلفة عنوانها الرئيسي الأزمة الاقتصادية العالمية . والبند الثابت في بيانات ختام كل تلك القمم والاجتماعات هي التعهد بالحفاظ على حرية التجارة الدولية، بعد التحذير من خطر إجراءات الحماية .

لكن تلك التحذيرات والتعهدات لا تعني أن إجراءات الحماية في تصاعد بالفعل ما يهدد بتعميق الأزمة الاقتصادية العالمية مع تراجع التجارة الدولية والحد من حرية انتقال رؤوس الأموال .

فعقب انتهاء قمة مجموعة العشرين في نوفمبر الماضي، والتي تعهدت بالحفاظ على أصول حرية التجارة الدولية، قررت روسيا زيادة الرسوم الجمركية على السيارات وقررت الهند زيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب . وليس ذلك فحسب، بل إن الدول المتقدمة تمارس إجراءات حماية غير مباشرة منذ بدأت الأزمة المالية العام الماضي . وتشير أحدث البيانات والأرقام الصادرة حول العالم الى تراجع شديد في الصادرات على مستوى العالم، وإن اختلفت النسب من منطقة الى أخرى ومن دولة الى أخرى . وهناك تفسير لتراجع الصادرات يرجعه الى قيام الدول المتقدمة بالتخلص من مخزونات السلع، لكن أحدث البيانات تشير الى أن معدلات المخزونات السلعية في الدول المتقدمة لا تزال عالية ونسبتها الى انخفاض الأسعار غير مشجعة .

في الآونة الأخيرة عانت الدول الآسيوية، المورد الرئيسي للسلع الاستهلاكية للدول المتقدمة، من تراجع حاد في الصادرات بسبب تراجع الطلب الخارجي . فتراجعت صادرات كوريا الجنوبية مثلا بمعدل سنوي بنسبة 7 .32 في المائة في يناير . وفي الشهر الأخير من 2008 تراجعت صادرات تايوان بنسبة سنوية 9 .41 في المائة بينما تراجعت صادرات اليابان بنسبة سنوية 6 .19 في المائة . حتى صادرات الصين تراجعت بنسبة 5 .1 في المائة، وهي نسبة قد تبدو بسيطة لكن اهميتها تبرز من مقارنتها بنمو صادرات الصين بنسبة 20 في المائة حتى شهر أكتوبر . وتكرر ما حدث للاقتصادات الآسيوية في انحاء أخرى من العالم .

ومما يزيد من الآثار السلبية لتراجع الصادرات بحدة، ويجعل خطر إجراءات الحماية التجارية كبيرا على الاقتصاد العالمي المتدهور، أن التجارة العالمية في تراجع بالفعل بالتزامن مع انفجار الأزمة المالية العالمية ودخول الاقتصاد العالمي في ركود . فحسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي تباطأ النمو في التجارة الدولية إلى 3 .4 في المائة في أوائل عام ،2008 وذلك أقل من نسبة 4 .6 في المائة المتحققة خلال عام ،2007 نتيجة الانخفاض الحاد في واردات الولايات المتحدة . وتقدر واردات الولايات المتحدة بنحو 15 في المائة من حجم التجارة الدولية، وسجلت تلك الواردات انخفاضا ربع سنوي بدءاً من الربع الرابع من عام ،2007 وانخفضت تلك الواردات بحدة بمقدار 7 في المائة خلال الربع الثاني من عام 2008 .

ولا تقتصر التحذيرات من إجراءات الحماية على تجارة السلع والخدمات، بل امتدت الى ما وصف بالحماية المالية، أي التضييق على الانسياب الحر لرؤوس الأموال عبر حدود الدول والقارات .

لكن خطر الحماية المالية ليس بقدر خطر الحماية التجارية، خاصة وأن سوق الائتمان لا تزال شبه مجمدة ومن ثم فتباطؤ حركة رؤوس الأموال له اسبابه الموضوعية بعيدا عن أي إجراءات حمائية . كما أن الدول المتقدمة، والصاعدة والنامية على السواء، تتحسب لأي بادرة تراجع عن حرية انتقال رؤوس الأموال التي كانت المولد الرئيسي للثروة في العقدين الأخيرين . انما الخطر الحقيقي هو أن إجراءات الانقاذ الحكومية للمؤسسات والشركات تعني بقدر أو بآخر شكلا من اشكال الحماية المالية .

وإلى جانب إجراءات الحماية التجارية المعتادة، من رفع الرسوم الجمركية ولو في اطار منظمة التجارة الدولية، هناك طرق عديدة للالتفاف على قواعد المنظمة في فرض المزيد من إجراءات الحماية التجارية منها فرض إجراءات لمنع الاغراق أو زيادة الرسوم على السلع التي تعتبر مخفضة السعر عمدا أو حتى الحد من الاستيراد على خلفية أسباب صحية أو بيئية ولو مفتعلة . وسوف تزداد تلك الأشكال من إجراءات الحماية التجارية مع تعمق الركود الاقتصادي وتؤدي بدورها الى مزيد من الكساد . ولن يعدم الشركاء التجاريون الكبار في العالم إيجاد المبررات لاتخاذ إجراءات حماية تجارية . وتعد الصين كبش فداء نموذجياً للجوء الدول الصناعية الكبرى الى إجراءات للحماية الاقتصادية، لذا ستتعرض الصين لمزيد من الضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في سياق إلقاء اللائمة في سياسات قد تضر أكثر بالاقتصاد العالمي . صحيح أن الصين تعاني أيضاً من تراجع صادراتها للخارج ومن تباطؤ مضطرد في معدل النمو الاقتصادي، إلا أن شركاءها التجاريين يرونها الأكثر استفادة، أو قل الأقل تضرراً، من الأزمة الاقتصادية العالمية . ويجد هؤلاء في بعض الأرقام ما يمكن أن يعزز حججهم وحملاتهم، فقد حققت الصين فائضاً تجارياً غير مسبوق مع الولايات المتحدة بلغ 223 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2008 حسب بيانات الحكومة الأمريكية .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"