المفاوضات والحلول لمكافأة الاحتلال

01:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

بالنسبة للإدارة الأمريكية، يبدو أن تصرفها منذ تأزم القضية الفلسطينية في أربعينات القرن الماضي، وحتى يومنا هذا، يسير حسب تسلسل الوقائع والأحداث بما يشير إلى أن المحرك الأساسي لهذه الإدارة، هو ايجاد أكثر السبل قدرة على إشباع النهم الاحتلالي الاستيطاني للعقيدة الصهيونية .

كانت البداية، عندما حاولت الإدارة الأمريكية تغطية هذا الميل الصهيوني بقرار صادر عن الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في العام 1947 . وما أن انجلى غبار أحداث العام ،1948 حتى تبين أن الدولة الوليدة إسرائيل قد استولت على 76 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، مع أن قرار التقسيم الدولي لم يمنحها أكثر من 56 في المئة من هذه المساحة .

ومنذ ذلك التاريخ، كان تصرف الإدارة الأمريكية يمارس عملية غض الطرف عملياً عن هذا الفارق بين المساحة الفلسطينية التي احتلت بقوة السلاح، والمساحة التي يحددها قرار التقسيم، واعتبار هذا الفارق مكافأة ممتازة للاحتلال الصهيوني، لا يتم غض النظر الأمريكي عنها فقط، بل يتم تشجيعها والتصفيق لها، والسماح لأوروبا (فرنسا وبريطانيا) بتزويدها بالسلاح النووي، منذ الخمسينات .

المحطة التالية، كانت في العام ،1967 عندما انجلى غبار أحداث ذلك العام، عن احتلال إسرائيل لما يمثل كامل التراب الفلسطيني، إضافة إلى أراض عربية حولها، في مصر وسوريا .

لقد مضى على هذا الاحتلال التوسعي الإسرائيلي الثاني ثلاثة وأربعون عاماً، بالتمام والكمال، كان تصرف الإدارة الأمريكية خلالها، لا يكتفي بغض الطرف الكامل عن مزيد من جرائم الاحتلال المرتكبة، بل يتميز بتشجيع هذا الواقع الاحتلالي الاستيطاني، مادياً ومعنوياً، عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً، على اعتبار أن ما أضيف من بقية أرض فلسطين التاريخية في الاحتلال الثاني، هو مكافأة للاحتلال الأول .

فإذا انتقلنا إلى المرحلة الثالثة، مرحلة المفاوضات المباشرة الراهنة التي ترعاها الولايات المتحدة، بحثاً عن تسوية سياسية للصراع، فإننا عبثاً نبحث في هذه المفاوضات، ورعايتها الأمريكية، عن وجود حقيقي ووزن حقيقي لمفاهيم العدالة كما تنص عليها المواثيق الدولية . إن آخر أخبار ما تقوم به الإدارة الأمريكية، عبر وزيرة خارجيتها التي ترعى مباشرة الجلسات الأولى للمفاوضات، لا تسير في طريق محاسبة المجتمع الدولي للحركة الصهونية على احتلالها الأول، أو احتلالها الثاني حتى . ويلاحظ أن عبارة وصف الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة بالاحتلال، لم ترد مرة واحدة في الأدبيات الرسمية الأمريكية منذ العام 1967 حتى يومنا هذا .

آخر أخبار الدور الأمريكي الجديد، محاولة تحايل على الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي بشأن تجميد الاستيطان أو عدم تجميده، تشير إلى اقتراح أمريكي بتجميد الاستيطان لثلاثة أشهر فقط (مع انه استيطان يتم في أرض محتلة، ويجب أن يتوقف نهائياً، وأن تزال جميع المستوطنات المقامة على الأرض المحتلة خلافاً للشرعية الدولية) .

لماذا ثلاثة أشهر فقط من التجميد؟ لاتاحة المجال أمام الطرفين لترسيم حدود الدويلة الفلسطينية، بحيث يمكن بعد ذلك إعادة اطلاق حركة الاستيطان في القدس وفي جوارها . إن تفتق العقل الدبلوماسي الأمريكي عن حل فيه هذا القدر من التناقض مع القوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة، يشير بوضوح إلى أن ما يشغل بال الإدارة الأمريكية لا يتجاوز عملية البحث عن مكافآت جديدة تغدق على الاحتلال الإسرائيلي، إضافة للمكافآت التي ما زالت تغدق منذ العام 1948 والعام 1967 .

ماذا يبقى للفلسطينين بعد كل هذا للتفاوض عليه؟

تصريحات أحد المفاوضين الفلسطينيين (نبيل شعث) تتحدث عن هذا المسار بصراحة كاملة، فهو يقول: كيف التفاوض على الأرض مقابل السلام، بينما سرقة الأرض متواصلة؟

بقي أن يقرن المفاوض الفلسطيني القول بالفعل، ويتخذ موقفاً تاريخياً، أقله الانسحاب، وأقصاه حل السلطة الفلسطينية، وإعادة تحميل مسؤوليات القضية للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والأنظمة العربية مجتمعة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"