الملف الاجتماعي بعد السياسي في المغرب

04:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

واكب المغرب موجة الربيع العربي انتخابياً بتصدر حزب العدالة والتنمية (الحركة الإسلامية) نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني ،2011 وقيام الحزب الإسلامي بتشكيل الحكومة بقيادة عبدالإله بنكيران، بمشاركة حزب الاستقلال التاريخي وحزب الأصالة المعاصرة (وسط) وحزب التقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية وهي حزب تاريخي يعود نضاله إلى ما قبل استقلال البلاد .

في واقع الأمر، منذ إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الائتلافية التي غاب عنها القطب الاشتراكي (الاتحاد الاشتراكي) وإجراء تعديلات دستورية منحت صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة، فإن موجة الاحتجاجات التي ينعقد لواؤها لحركة 20 فبراير شهدت انحساراً وخَفَت وهجها، حتى إن الحركة الإسلامية المعارضة التي قاطعت الانتخابات وهي العدل والاحسان انخفضت وتيرة مشاركتها في الاحتجاجات، ولكن من دون أن تتخلى عن مواقفها المعارضة . وهذه الحركة لا صلة لها بتيارات الإسلام السياسي خارج الحدود .

في الذكرى الثانية لموجة الاحتجاجات سيرت حركة 20 فبراير مسيرات بالمناسبة، لكن الاحتفال في الشارع بهذه المناسبة، الذي شهدته الرباط والدار البيضاء وأغادير وآسفي جاء رمزياً، سواء لجهة المشاركين الذين قدرت أعدادهم بالمئات أم لجهة القوى السياسية المشاركة، التي اقتصرت على مجموعات يسارية وأخرى شبابية غير حزبية . وقد مرت تلك المسيرات بسلام وسط حضور أمني كثيف، مع وعود لنشطاء في الحركة بمواصلة نضالها، كما نقلت صحيفة الاتحاد الاشتراكي . غير أن صحيفة المعارضة التاريخية وضعت الخبر في صفحتها الثالثة لا الأولى . وفيما يلتزم حزب الاتحاد الاشتراكي بمعارضة حكومة بنكيران التي سبق له أن رفض الانضمام لها، فإن إعلاميين مغاربة يصفون المعارضة الاشتراكية بأنها معارضة من داخل البيت الحكومي، وإن الحزب لم يتردد في التنسيق في الانتخابات المحلية مع حزب العدالة والتنمية .

مغزى ذلك أن المعارضة اليسارية هي إما ممثلة في الحكومة عبر حزب التقدم والاشتراكية، أو تتبنى معارضة من داخل البيت كحال حزب الاتحاد الاشتراكي الذي سبق له أن ترأس أكثر من حكومة، فيما اليسار الجذري يبقى نخبوياً ولا حضور له في البرلمان إلا بمقعدين من جملة 395 مقعداً، أما الحركة الإسلامية فهي على رأس الحكومة التي يقودها بنكيران . والتدافع السياسي الصاخب كما تعبّر عنه عشرات الصحف اليومية والأسبوعية، إنما يدور حول تحسين الحظوظ في السلطتين التشريعية والتنفيذية وداخلهما . والمراقبون السياسيون في أوساط الإعلاميين يترقبون دخول حركة العدل والإحسان الإسلامية (خزّان المعارضة) إلى معمعة الانتخابات البرلمانية والمحلية، وهي حركة ذات نفوذ اجتماعي واسع حتى إن نفوذها أوسع من نفوذ حزب العدالة والتنمية، وتنبذ العنف ولا صلة لها بالمجموعات السلفية . ويستشهدون على ذلك بأن مقاطعة هذه الحركة للانتخابات لم تكن مقاطعة كاملة، إذ منح أعضاؤها ومناصروها حرية التصويت مع التوصية في هذه الحالة بالتصويت للعدالة والتنمية من دون سواه من الأحزاب .

لا بد من الإقرار في هذا المجال بأن مرونة النظام السياسي سمحت بامتصاص موجة الغضب، وحتى نزع قوة الدفع عنها . من دون أن يعني ذلك انكفاء الحراك المطلبي والاجتماعي الذي يتجه سهمه نحو الحكومة لا الحكم . وتخشى أصوات في المغرب، من أن يؤدي أي رفع للدعم الحكومي عن السلع الأساسية واستبداله بدعم نقدي مباشر، وهو ما يطلق عليه قانون المقاصة، الذي تميل حكومة بنكيران للأخذ به لمعالجة مشكلة العجز المالي، إلى ارتفاع متجدد في الأسعار جرياً على نهج السوق في امتصاص السيولة المالية، وتغذية الاحتجاجات الشعبية المسيسة التي تمثلها حركة 20 فبراير رغم ما تشهده هذه الحركة من ضمور حالي، ثم بروز أزمة سياسية كبيرة . وفي هذه الحالة فإن المرونة التي تتجه إلى الاصلاحات الدستورية وتوسيع المشاركة السياسية ونطاق الحريات العامة، قد لا تحقق غاياتها المنشودة إذا ما نشبت أزمة اقتصادية واجتماعية حادة في بلد ال35 مليون نسمة .

ولا شك أن التحدي الاقتصادي والاجتماعي هو المعضلة التي تواجه الحكومة والأحزاب بمختلف اتجاهاتها، وقد شرعت الصحافة المستقلة في الحديث عن فشل حكومة بنكيران في معالجة ملفات الفقر والتشغيل، علماً أن هذه الحكومة تضع هذا الملف على رأس أولوياتها، وليس تعميم أيديولوجية دينية خاصة بالحزب الذي يقود الحكومة مثلاً . والمسؤولية تقع على الحكومة الائتلافية، كما على عاتق الأحزاب التي تقف خارج السلطة التنفيذية وبعضها تحتل مقاعد في البرلمان، ولا توفر الحكومة من نقد مرير تفيض به صفحات الصحف، جنباً إلى جنب مع أخبار الحوادث الجنائية التي تتصدر الصفحات الأولى .

إنه لمشهد دال أن ينساب الترامواي الحديث الذي يشكل حلاً ممتازاً لأزمة المواصلات العامة، في قلب الدار البيضاء ذات الأبنية البيضاء، مع احتشاد ما لا يحصى من المقاهي بمتعطلين عن العمل إلى جانب المتقاعدين منذ ساعات الصباح الباكر، ومع توجه أعداد أكبر من التلاميذ إلى مدارسهم والموظفين والعمال إلى دوائر عملهم، فالعاصمة الاقتصادية شأنها شأن الرباط العاصمة الإدارية ومراكش العاصمة التاريخية تزخر بالحركة والنبض الحيوي، وتجمع بين نمطي الحياة التقليدي والعصري في تواؤم جذاب لا مثيل له في عالمنا العربي، غير أن ضغط الحياة مطبوع على سحنات العمال والأجراء وعلى ردود أفعالهم، ومعه الوهم بأن أبناء الشعوب الشقيقة يعيشون في مستوى حياة أفضل، وهو ضغط لا بد من وضع علاجات قصيرة ومتوسطة الأمد لمعالجته وليس السعي فقط إلى احتوائه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"