المناطق الرخوة في الساحل الإفريقي

04:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

عادت منطقة الساحل الإفريقي لتحتل مرة أخرى، صدارة المشهد الأمني؛ بعد عملية اختطاف لسائحين فرنسيين، ومقتل مرشدهما، ثم نقل السائحين المختطفين من دولة بنين إلى بوركينا فاسو قبل أن تقوم القوات الفرنسية الخاصة بعملية عسكرية خاطفة ليلة 9 مايو/أيار، أدت إلى تحرير الرهينتين؛ وهما: كورية جنوبية ومواطن أمريكي، وأسفرت العملية عن مقتل جنديين فرنسيين، والقضاء على أربعة عناصر من المجموعة المسلحة. كما شهدت الفترة نفسها قيام تنظيم إرهابي بنصب كمين بالقرب من الحدود بين النيجر ومالي، أدى إلى مقتل 28 جندياً من القوات العسكرية التابعة لحرس الحدود في دولة النيجر.
وتشير هذه الأحداث إلى أن الانفلات الأمني في دول الساحل بدأ يمتد إلى الدول المجاورة لها ويهدّد عدداً كبيراً من الدول الإفريقية، التي تعتمد إلى حد كبير على عائدات السياحة، وبالتالي فهي تشعر بقلق بالغ من التقارير الغربية، وخاصة الفرنسية منها، التي وضعت مناطق واسعة من غرب إفريقيا في الخانة الحمراء، التي يُمنع على الرعايا الغربيين السفر إليها؛ لأسباب تتعلق بوجود مخاطر أمنية ناجمة عن انتشار نشاط المجموعات الإرهابية في معظم دول القارة السمراء؛ وهو الأمر الذي اعتبرته سلطات بنين قراراً أحادي الجانب، وإشهاراً سيِّئاً للسياحة في بلدها.
ومن الواضح أن التردي الأمني في دول الساحل، بات يُسهم في إشاعة حالة من عدم الاستقرار السياسي في دول المنطقة، التي تعاني أصلاً فشلاً مؤسساتياً وصعوبات كبيرة في مجال التنمية، ومديونية خانقة تجاه المؤسسات المالية الدولية. وتؤكد تقارير الهيئات الدولية غير الحكومية أن التدخل العسكري في المنطقة خلال السنوات الماضية، ساعد بشكل مثير للانتباه على انتشار نشاط المجموعات المسلحة في دول المنطقة؛ مثل ساحل العاج، التي شهدت مقتل 19 شخصاً في عملية إرهابية في 13 مارس/آذار 2016.
ويرى المراقبون أن خطورة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا، تكمن في أنها لا تملك حدوداً أيديولوجية واضحة فيما بينها، وأنها تحمل طابعاً قبلياً وإثنياً، يجعل عناصرها يتعاونون فيما بينهم، بصرف النظر عن هوية التنظيم الذي ينتمون إليه، وبالتالي فإنه وعلى خلاف التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، فإن عناصر «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» ينسِّقون أعمالهم الإجرامية بشكل يجعل الجهات الأمنية تجد صعوبة بالغة في تعقبهم وتحديد هوياتهم، وبخاصة أنهم يدافعون عن أجندات متداخلة، محلية وإقليمية ودولية، تنسجم من حيث مبادئها الأساسية مع المبادئ والشعارات، التي ترفعها التنظيمات الإرهابية الكبرى في المنطقة العربية وفي شرق آسيا وأوروبا.
ويمكن القول إن الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي؛ من أجل مساعدة دول الساحل وغرب إفريقيا على محاربة الإرهاب والتي جرى تأكيدها خلال الاجتماع الذي احتضنته بروكسل يوم 14 مايو/أيار الماضي، والذي جمع وزراء خارجية (مجموعة 5 ساحل) التي تضم: موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، مع نظرائهم في الاتحاد الأوروبي بقيادة موغيريني، غير كافية حتى الآن، وتبقى في مجملها حبراً على ورق، بالرغم من الضغوط المتواصلة، التي تبذلها باريس؛ من أجل دفع أوروبا إلى دعم تدخل قواتها العسكرية في المنطقة، لاسيما في مالي، ولمساعدة جيوش (مجموعة 5 ساحل)، التي أشرفت على تأسيسها والتي تملك وحداتها القتالية إمكانات متواضعة، وتواجه دولها اضطرابات سياسية مزمنة كما هو الشأن عليه في مالي وتشاد.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الانفلات الأمني في دول الساحل، تضاعفت خطورته منذ انهيار مؤسسات الدولة في ليبيا؛ حيث أسهمت فوضى السلاح في هذا البلد في تزايد وتيرة الهجمات المسلحة في دول المنطقة؛ كما أن الأزمة السياسية الراهنة في الجزائر التي تملك حدوداً مشتركة مع بعض دول الساحل، جعل مسؤولي هذه الدول يعبّرون مؤخراً عن مخاوفهم بشأن الأوضاع في الجارة القوية الجزائر، التي تسهم قواتها العسكرية بشكل لافت في الحد من تحركات المجموعات الإرهابية، وفي تقديم مساعدات عسكرية واستخباراتية في غاية الأهمية بالنسبة لدول المنطقة، رغم رفضها لاقتراح باريس؛ من أجل الانضمام إلى (مجموعة 5 ساحل)؛ بغرض الاستفادة من الخبرة التي يمتلكها الجيش الجزائري في محاربة الإرهاب.
كما تشير تطورات الأحداث المأساوية في المنطقة إلى أن الوضع الأمني مرشح لمزيد من التأزم والانفلات، ويمكن أن يأخذ طابعاً طائفياً ودينياً أكثر خطورة مع استهداف الجماعات الإرهابية لدور العبادة التابعة للمسيحيين، والتي كان آخرها اغتيال 4 من رجال الدين الكاثوليك في شمال بوركينا فاسو يوم 13 مايو/أيار. ونستطيع أن نلاحظ في الأخير، أن بنية دول الساحل التي تعتمد على جيوش وطنية متواضعة من حيث عدتها وعددها، وتتمركز مؤسساتها في العواصم وبعض المدن الكبرى، يجعل مناطق واسعة من جغرافيتها خارجة عن سيطرة الحكومات؛ حيث تلعب هذه المناطق الرخوة دوراً كبيراً في تهديد سلطة الدولة المركزية، وتشكل بيئة حاضنة للإرهاب، وبخاصة بعد فشل دول المنطقة في تحمّل مسؤولياتها تجاه مواطنيها في معظم هذه المحافظات المعزولة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"