الوضع الليبي وأسئلة المستقبل الحارقة

02:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

على الرغم من الجهود الكبرى التي بذلت على طريق إرساء الاستقرار في ليبيا على امتداد السنوات السبع الأخيرة، فإن الأوضاع في هذا البلد العربي ما زالت تدعو إلى القلق إزاء مستقبل يلفّه الغموض، مع تقاسم السلطة، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من الإمكانات البشرية والطبيعية التي تحتضنها ليبيا.
وعلى الرغم من هذه الإشكالات التي كلفت ليبيا كما المنطقة المغاربية والعربية الكثير، فإن التيارات والنخب المتصارعة لم تستوعب الدرس بعد، ولم تتمكن من طي خلافاتها وصراعاتها الضيقة، بسبب نهج سياسة شدّ الحبل، والانخراط في استحضار أجندات إقليمية ودولية زادت من تعقّد الأوضاع، وحتى الأمم المتحدة باعتبارها المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، لم تستطع تجاوز هذه الاستقطابات، وبلورة حل يدعم الاستقرار في هذا البلد، وفي منطقة المتوسط برمتها.
ويبدو إلى حدود الآن أن ثمة سوء تقدير لما يمكن أن يتمخض عن المزيد من تدهور الأوضاع في ليبيا من تداعيات كارثية ستصل شظاياها إلى ضفتي المتوسط، وبخاصة على مستوى تمدّد نشاط الجماعات المسلحة وشبكات التهريب والهجرة السرية التي استفادت من ضعف الدولة المركزية داخل هذا البلد المترامي الأطراف.
إن مسؤولية تدهور الأوضاع في ليبيا لا يمكن تحميلها إلى العامل الخارجي بالدرجة الأولى، ذلك أن الليبيين أنفسهم وبمختلف فصائلهم وتوجهاتهم يتحملون النصيب الأوفر من هذه المسؤولية، بعدم انخراطهم الجدّي في بلورة توافقات تضع حدّاً لهذه الأزمة التي طالت أكثر من اللازم، وهو ما يعني أن القوى الإقليمية والدولية الكبرى استثمرت - في آخر الأحوال - حالة الفراغ التي لم يستطع الفرقاء الليبيون شغرها بما ينسجم والمصالح العليا لهذا البلد.
إن كسب رهانات التنمية والديمقراطية في ليبيا والخارجة من حكم نظام فردي شمولي، لا يمكن أن يتحقق وسط العنف بمختلف تجلياته ومصادره، ومع ضعف الدولة المركزية وهشاشة الأوضاع الأمنية.
ومما ينذر بمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، أن كل هذه العوامل والمؤشرات أصبحت تعزّز من فرضية التدخل الدولي، بذرائع مختلفة من بينها مكافحة الإرهاب ومحاصرة الهجرة السرية، وبخاصة بعد تزايد المخاوف الإقليمية والدولية بشكل جدّي من خطورة الجماعات والشبكات ذات الصلة بالموضوع على السلم والأمن الدوليين.
إن سياسة شد الحبل القائمة بين مختلف الفرقاء الليبيين لن تفرز حلاً مستداماً، كما أن الحروب والصراعات بدورها تفرز أوضاعاً مؤقتة، فيما تشير العديد من التجارب الدولية إلى أن التدخلات الأجنبية لا تخدم بالأساس سوى مصالح أطرافها.
يظل الوضع القائم في ليبيا بحاجة ملحّة إلى إرساء الثقة بين مختلف الفرقاء، فهي المدخل السليم والكفيل بتحويل الأزمة إلى فرصة، بصورة تذوب معها الخلافات ويضيق هامش التهافت الخارجي.. بما يتيح الانكباب على مختلف الأولويات الداخلية في ارتباطها بإقرار الأمن وبسط سلطة الدولة وبناء المؤسسات وتعزيز جهود التنمية..
شكّل سؤال مآلات الوضع الليبي، موضوع ندوة دولية نظمها مركز البحوث والدراسات من أجل الاتحاد المغاربي، والمركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا، ومؤسسة هانس زايدل مؤخراً في تونس، بمشاركة عدد من الخبراء والباحثين من تونس والجزائر وليبيا والمغرب وإيطاليا، توزعت مداخلاتهم على ثلاث جلسات علمية وورشتين تفكيريتين، أعقبتها نقاشات مستفيضة، وهو ما سمح بطرح مجموعة من الخلاصات والتوصيات التي تعتبر مساهمة علمية مهمة من شأنها إثراء النقاش بصدد ليبيا موحدة وآمنة وديمقراطية.
أجمع المشاركون على ضرورة تكثيف الجهود من قبل الأكاديميين المغاربيين من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية كسبيل لإثراء النقاشات الكفيلة بتعزيز الاستقرار والمصالحة والتنمية في ليبيا، ودعا المتدخلون كل التيارات الفكرية والسياسية الليبية إلى الانخراط الجدّي في حوار بنّاء يسمح بإيجاد حلّ سلمي يحقّق الاستقرار والسلام والأمن، ويوفر شروط التنمية، وإلى الحرص على الحدّ من التدخلات الخارجية المتزايدة في ليبيا، مع منح الليبيين فرصة من أجل تحقيق السلام والمصالحة من دون إقصاء لأي طرف أو حساسية فكرية أو سياسية أو إثنية.. مع الاستفادة من مختلف تجارب التحوّل الديمقراطي في العالم، والتي كان للتوافقات الداخلية دور كبير في إنجاحها والتقليل من كلفتها.
كما شددوا على وحدة البلاد وضرورة تغليب المصلحة الوطنية على بقية المصالح الفئوية الأخرى، ووقفوا أيضاً على مختلف الجهود المبذولة لإرساء المصالحة والانتقال الديمقراطي في ليبيا مع التأكيد على أهميتها، والإشارة إلى ضرورة نشر ثقافة السلم والوفاق والتفاهم والحوار والتعايش.
كما حمّل المشاركون المجتمع الدولي، وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة، مسؤولية تدهور الأوضاع بعدم المساهمة الجادة والفاعلة في تسوية وإيجاد حلّ للمسألة الليبية، مع مطالبته بلعب دور إيجابي أكبر والمساهمة بالإسراع في بناء المؤسسات وتحقيق الديمقراطية والتنمية.
ومن جهة أخرى، ووعياً بالإشكالات والمخاطر التي بات يطرحها التدخل الأجنبي في الأزمة على المنطقة برمتها، طالب المشاركون الحكومات المغاربية بالاهتمام أكثر بالملف الليبي، وبوضعه ضمن أولوية اهتماماتها، واحتضان جميع الليبيين وتحفيزهم ودعوتهم إلى المصالحة والحوار والتوافق، والمحافظة على وحدة ليبيا، ووضع خطة طريق لعودة الاستقرار والسلام وإيجاد حل للمسألة لقطع الطريق على الأطراف الخارجية التي أسهمت بشكل كبير في تأجيج الأوضاع وتكريس الانقسام بين الليبيين.
ووعياً بأهمية إرساء مناخ يدعم الحوار والتوافق وإدارة الخلافات بسبل سلمية، أكد المشاركون ضرورة جمع السلاح، وقصر استعمالاته على المؤسسات الرسمية العسكرية والأمنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"