برج الشيخ خليفة ودلالته الحضارية الإنسانية

05:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

كانت لفتة جميلة ومباركة، ومملوءة بفيض من شحنات المودة، أن يُطلق اسم صاحب السمو رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، على مبنى البرج التاريخي عند افتتاحه يوم الإثنين الماضي 4 يناير/ كانون الثاني الجاري، ويبرهن برهانا كبيراً على عمق المشاعر الأخوية بين الزعيمين الكبيرين، خليفة بن زايد ومحمد بن راشد، تدعمها صلة القربى المعروفة، وكما قلت ذلك من ضمن قصيدة، مخاطباً الشيخ محمد بن راشد في عيد جلوسه الثالث، يناير/ كانون الثاني 2009:

وأنت لزايد وكذا بنيه

قريب الرحم من نسب وغرس

إنني لا أتحدث ههنا في هذا المقال عن برج الشيخ خليفة، كعمل فني راق ورائع فريد، وإنجاز عظيم، يوحي ويذكر بأن المشاريع الإعمارية في دبي وفي كثير من جوانبها، هي قيمة إضافية للعمران البشري، تلفت الانتباه وتشرئب إليها أعناق الناس في كل بقعة في العالم .

فمثل هذا الحديث، المتعلق بالبرج هو على كل لسان، أنى توجهت أنظارنا وحطت ركائبنا في المعمورة كلها، وإنما أريد أن أشير إلى أن الشيخ محمد بن راشد يثبت لنا في كل آن، أنه بالإضافة إلى قدرته على الإمساك بزمام الأمور العامة وتوجيهها نحو الدروب السليمة، بالإضافة إلى ذلك، هو فنان يجيد رسم لوحاته المعمارية بفن وذوق فيه إبداع وفيه الإصرار على التميزية . وإذا اجتمعت هاتان الخصلتان الحميدتان في زعيم قوم، خصلة القيادة الرشيدة، وخصلة الإبداع الفني، فإنهما تعاونان على خلق الجودة وتساعدان مساعدة فعالة على توفير الإنتاج المتقن، والحقيقة أن الأداء المتقن في القيادة يضيف على الإنتاج القيادي جودة وفعالية ويعطي القيادة نفسها خصوصية وتميز .

والشيء الآخر، وهو عندي الأهم، ذلك الذي يجسد الحضارة الإنسانية في أعلى مشاهدها المشرقة، وهذا الشيء الأهم، هو قدرة القيادة الرشيدة للشيخ محمد بن راشد على أن تضع لبنة فوق لبنة، وترصها في صفوف بديعة للمجتمع الإنساني المدني ذي التعددية القابلة للانصهار الحضاري، والقابلة للتعايش الحضاري، المجتمع القائم على ركائز تعطي المتعايشين فيه شعور التضامنية، وقبول كل فرد للآخر قبولاً يجعل الفرد شاعراً بالاطمئنان والاستقرار النفسي، وأنه يتواجد بين مجموعة من البشر فيها التعامل الحضاري هو الأول وهو المعتبر .

ولو أمعن أحدنا في وجوه الحشد الهائل من الخلائق الذين جاؤوا من كل صوب في الإمارات، وتجمعوا لمشاهدة حدث فريد هو افتتاح برج خليفة بن زايد في دبي، ورأى هذا المتمعن السرور يسود النفوس ويعلو الوجوه، لأيقن أن كل هؤلاء المحتشدين، مواطنين ومقيمين، أو من جاء زائراً أو ضيفاً، يرى في هذه المدينة، مدينة دبي، الصفاء والتلاقي بين القلوب والافئدة .

في مدينة دبي، يرى الرائي، التنوع العرقي والثقافي بين المتواجدين على أرضها، ويرى البعد الإنساني من غير محدودية، وبشكل انسجامي مقبول، ولا يظهر أي تضاد منفر، ولا يقول أحدٌ لأحدٍ إنني وحدي المعنى بكل شيء، وإنني وحدي صاحب هذا التواجد الحضري الراقي ولوحدي حق جني الثمار .

وقد يظهر من بين الصفوف من ينادي بالأنا ويحاول تلويث الأسماع بهذه اللفظة غير المستساغة في العرف الحضاري، لكن هذا الصوت يبقى منعزلاً ويبتعد عن الركب في السير المجد، ويغرد بالنشاز من الغناء الممل .

وخلاصة القول، أنه لو لم يكن لمحمد بن راشد غير هذه المأثرة، مأثرة العمل على ترسيخ فكرة إقامة المجتمع المدني وإبراز الوجه ذي السمة الحضارية لهذا المجتمع، وإذابة الفئوية والانتمائية في بوتقة التضامن والتلاحم الإنسانيين، لكفاه ذلك من مأثرة، وكفاه ذلك من زعامة قديرة يسجلها له التاريخ في سجل ناصع من صدق القول وصدق العزيمة والإرادة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"