بطالة الشباب.. الأسباب والمآلات

02:55 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

عندما يتقلص الاقتصاد، يكون الشباب أول المتضررين وأكثرهم تضرراً، إذ يكون الشباب أول من تنهى خدماتهم.

أدى الركود الكبير في بدايته عام 2007 إلى فقدان الوظائف في مختلف أرجاء العالم على نحو غير مسبوق منذ الكساد الكبير الذي شهده العالم في ثلاثينات القرن العشرين. فبحلول عام 2010, وفق تقرير أصدره صندوق النقد الدولي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، في أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى حرمان 30َ مليونِ شخصٍ في العالم من وظائفهم. وبذلك وصل عدد العاطلين عن العمل في العالم إلى 210 ملايين شخص. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية كان هناك في عام 2014 أكثر من 73 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و24 يبحثون عن عمل - 14 % من الفئة العمرية على مستوى العالم، مقابل 12,4% في عام 2007 ولا يتضمن هذا الرقم الذي يزيد على 70 مليون شخص فئات مثل العمالة المحبطة، التي توقفت عن البحث عن العمل - وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد الحقيقي أعلى بثلاثة أضعاف. وإلى أنه خلال العشرة أعوامٍ المقبلة ينبغي استحداثُ 440 مِليون وظيفة، لكي يتم استيعاب الأشخاص الذين سينضمون إلى سوق العمل خلال هذه الفترة وأولئك الذين فقدوا وظائفهم بسبب الأزمة الاقتصادية.. وحدثت ثلاثة أرباع هذه الزيادة في الاقتصادات مرتفعة الدخل. أما بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، التي تحملت في الماضي هول الصدمة في فترات الركود العالمية، فكانت أشد صلابة هذه المرة. خطورة البطالة أن لها تكاليف مرتفعة. حيث يتعرض كثير من الأشخاص الذين خسروا وظائفهم لخسارة مستمرة في الدخل - حتى بعد عثورهم في نهاية المطاف على عمل - ولمشكلات صحية، وتتعرض أسرهم للمعاناة، وانفصام عرى النسيج الاجتماعي.
كما يمكن أن تكون البطالة مدمرة لإحساس أي شخص بهويته ومعنوياته، إلا أن أثرها في الشباب يكون أكثر وضوحاً وأكثر ضرراً وأطول أمداً. وتقول إحدى الدراسات الصادرة في كلية لندن للاقتصاد، إنه بالنسبة للشباب الذين يبدؤون مشوارهم في سوق العمل للمرة الأولى، فإن الوضع المثالي هو إتمام التعليم والالتحاق بعمل مباشرة والمشكلة في بطالة الشباب أن الشباب غالباً ما يكونون على هامش التعيين في الوظائف والفصل منها، فعندما تقرر شركة ما توسيع قوة العمل لديها، فإنها غالباً تعين شباباً، ولكن عندما تقلص قوتها العاملة، غالباً ما يكون الشباب أول من تنهي خدماتهم. فإلى جانب أن الشباب الذين يدخلون سوق العمل أثناء فترة هبوط النشاط الاقتصادي يكونون في النهاية القصوى من ذلك الهبوط، فإنه يمكن أن يتضرروا من آثار يمكن أن تدوم لعقود. وتشير البحوث المعنية بالشباب الذين قضوا فترة طويلة عاطلين عن العمل أثناء الركود الذي حدث في الثمانينات من القرن الماضي إلى أنه يرجح بدرجة أكبر أن يظل هؤلاء الأشخاص، حتى الآن، وهم في الأربعينات والخمسينات من العمر، عاطلين عن العمل - وبالنسبة لمن لديهم عمل - غالباً ما تكون أجورهم أقل من نظرائهم الذين لم يتضرروا من البطالة لفترة ممتدة. وذلك يعني أنه عندما يتقاعد هؤلاء ستكون معاشاتهم التقاعدية أقل، وذلك أثر يطالهم طوال العمر.
تتباين أسباب بطالة الشباب، ولكن هناك أسباب تشترك فيها جميع البلدان، وأحد الأسباب الرئيسية هو انخفاض نسبة النمو، فعندما يتقلص الاقتصاد، يكون الشباب أول المتضررين وأكثرهم تضرراً، إذ يكون الشباب أول من تنهى خدماتهم. وعندما يصبح الشاب عاطلًا عن العمل, فمن الممكن أن يفتقر إلى القدر الكافي من الخبرة والمهارات وشبكات العلاقات المهنية اللازمة لإيجاد عمل بديل. وعلى مستوى البلد الواحد تكون بطالة الشباب في الغالب ضعف مستوى البطالة العامة. وإذا كان انخفاض نسبة النمو هو العامل الرئيسي لبطالة الشباب فإن كثيراً من الاقتصاديين يعتقدون أن من العوامل المهمة أيضاً وجود تباين في المهارات التي يحتاج إليها أرباب العمل والشركات، ويشكو كثير من أرباب العمل من أنهم لا يستطيعون العثور على الأشخاص المؤهلين الذين يحتاجون إليهم لملء الشواغر. وتقول منظمة العمل الدولية «أن تباين المهارات في أسواق عمل الشباب قد أصبح اتجاهاً عاماً مستمراً ومتنامياً. وتتعايش الزيادة في التعليم والمهارات جنباً إلى جنب مع القصور فيهما». وهناك سبب رئيسي ثالث للبطالة وهو جمود سوق العمل، من قبيل أسواق العمل التي تخضع لقواعد تنظيمية كثيفة مع فرض ضرائب كبيرة على العمالة ووضع حد أدنى مرتفع للأجور. وأحد أوجه جمود سوق العمل التي ضربت الشباب بصورة غير متناسبة هي عملهم في وظائف قصيرة الأجل أو مؤقتة أو غير مستقرة. وفي الاقتصادات النامية التي تضم غالبية من السكان الشباب على مستوى العالم، يترجم ذلك إلى عمالة غير منتظمة وغير رسمية في غياب وظائف مستقرة مرتفعة الجودة. وفي أوروبا، تزيد الاحتمالات بثلاث مرات أن يعمل الشباب بعقود مؤقتة مقارنة بالعاملين الكبار. ويرى البعض أن نطاق بطالة الشباب وهدر القدرات البشرية عبارة عن طوارئ اجتماعية. وبدون توفر فرص كافية، يمكن أن تبدأ كتلة الشباب الكبيرة تشبه خصوماً في معاملة مالية بدرجة أكبر مما يشبه أرباحاً موزعة. ومما يرفع من تكلفة هدر القدرات البشرية للبلدان فقدان الإيرادات الضريبية، وارتفاع فواتير الإعانات، وانخفاض الإنتاجية.كما أن غياب الفرص يعني قلاقل سياسية، ويغذي الجريمة وعدم الاستقرار.
وقام كثير من الشباب بدلاً من تحمل الآفاق الكالحة بالتصويت بأقدامهم، والبحث عن حياة أفضل على شواطئ بعيدة قدم التاريخ الإنساني. وتقدر الأمم المتحدة أن واحداً من بين ثمانية مهاجرين يبلغ من العمر ما بين 15 و24 عاماً.

كاتب وباحث أكاديمي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"