بولسونارو على خطى ترامب

02:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

لماذا لا ينقل الرئيس البرازيلي المنتخب اليميني التوجه، سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس؟ ما دام الفكر اليميني الذي يتبناه، هو نفس الفكر والتوجه الذي قاد على الدوام كل المواقف الغربية المؤيدة ل«إسرائيل»، والواقعة تحت تأثير اللوبيات اليهودية المؤثرة في القرار الغربي.
فالرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو شخصية مثيرة للجدل في البرازيل، ومعروف بآرائه السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية، كما أنه اشتهر بتعليقاته السياسية المساندة للديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل في الفترة من 1964 إلى عام 1985.
ومن الطبيعي أن رجلاً بهذه المواصفات لابد أن يكون مؤيداً ل«إسرائيل» ملهمة أنصار الفاشية والعنصرية والتطرف في العالم.
وهو ما بدا واضحاً في تصريحاته التي تغزل فيها ب«إسرائيل» قائلاً: «إن بلاده ستنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس قريباً»، واصفاً «إسرائيل» بأنها «دولة تتمتع بالسيادة ويجب احترام ذلك»، وأنه يحب «إسرائيل» التي يجب أن «تكون حرة في اختيار عاصمتها»، على حد تعبير بولسونارو الذي يبدو أنه يسير على خطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتكون البرازيل ثالث دولة تنقل سفارتها إلى القدس بعد غواتيمالا والولايات المتحدة التي أثار قرارها المخالف لعقود من الدبلوماسية الأمريكية، غضب الفلسطينيين والعرب.
ومع أن هذه المواقف المؤيدة ل«إسرائيل» ليست حديثة على المواقف الغربية وبعض دول القارة الأمريكية الموالية للسياسة الأمريكية، إلا أن هذا القرار البرازيلي، والذي قوبل كما هو معروف بترحيب كبير من القادة «الإسرائيليين»، ولا سيما من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر الخطوة البرازيلية «تاريخية». والحقيقة أنها تمثل خطوة خاطئة ومخالفة للواقع والقانون الدولي.
ولفهم القرار الذي أعلن عنه الرئيس البرازيلي، ثم تراجع عنه مؤقتاً، لابد من التذكير بأنه لولا مساعدة اللوبي اليهودي خلال الانتخابات الرئاسية لما فاز بولسونارو برئاسة البرازيل، وهو أمر يعيد إلى الأذهان تسابق المرشحين للرئاسة الأمريكية لخطب ود «إسرائيل»؛ أملاً في دعم اللوبي اليهودي المتنفذ هناك.
أي أن بولسونارو قرر في الواقع، ضرب عصفورين بحجر، فهو يريد من خلال مواقفه هذه التقرب من الولايات المتحدة، والسير معصوب العينين وراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حاول شرعنة نقل السفارات الأجنبية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، في خروج واضح عن الإجماع الدولي، ومعارضة للقوانين الدولية، باعتبار أن القدس منطقة محتلة، ناهيك عن مدى أهميتها في أي مفاوضات محتملة للسلام، ومكانتها الكبيرة لدى العرب والمسلمين والمسيحيين.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما الذي كان سيمنع الرئيس البرازيلي المنتخب، عن مثل هذا القرار الخطِر أو غيره، ما دام نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، رغم المعارضة العربية والإسلامية، مضى إلى آخره، وكما هو مخطط له، فيما اكتفى العرب بإدانات لفظية، أثبت التاريخ أنها لا تغني ولا تسمن من جوع؟، فباستثناء المظاهرات الشعبية الفلسطينية، وبعض المظاهرات ومظاهر الاحتجاج الخجولة في بعض الدول العربية، نرى أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومن بعده قرار غواتيمالا المشابه، لم تتم مواجهتهما بالشكل المناسب، الذي يمكن أن يثني كلاًّ من الولايات المتحدة وغواتيمالا عن قرارهما، وبالتالي فإن أي دولة غربية، قد لا تأخذ بالحسبان المواقف العربية، تجاه ما يشاهد من اصطفاف يميني موال ل«إسرائيل» في الغرب، لا يمكن وصفه إلّا بأنه اصطفاف شعبوي وفاشي وعنصري، يمثل خرقاً للقانون الدولي وخطراً حقيقياً على السلام في العالم، ناهيك عن أنه مخالف لقرارات مجلس الأمن، التي تعتبر القدس مدينة خاضعة للاحتلال، وتُحذر من تغيير الوضع القائم فيها.
وأخيراً لابد من القول إنه من المؤسف جداً أن تمضي مثل هذه القرارات، المعادية للقضية الفلسطينية، وتمر مرور الكرام، بل ويتم الإعلان عن قرارات جديدة مشابهة، كالاعتراف بقرار ضم الجولان المحتل «لإسرائيل»، وغيره من القرارات التي تكشف عنها الأيام يوماً بعد يوم، في وقت لا يزال فيه البعض يراهن على حل سلمي مع الاحتلال «الإسرائيلي»، في إطار حل الدولتين أو إعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي قبلت بها منظمة التحرير، لإقامة دويلة فلسطينية، على أقل من عشرين في المئة من مساحة فلسطين التاريخية.
والواقع أن هذه القرارات الغربية المؤيدة ل«إسرائيل»، وآخرها تصريحات الرئيس البرازيلي المنتخب، لن تعقد عملية التسوية، التي ما زال يراهن عليها البعض، رغم إجحافها بحقوق الشعب الفلسطيني وحسب، وإنما ستقود بكل تأكيد إلى مزيد من الإحباط لدى الشارع الفلسطيني، من شأنه أن يفجر حراكاً شعبياً، سيفضي إلى انتفاضة جديدة، تتجاوز كل مراهنات السلطة الفلسطينية على تسوية لم تؤدِّ إلى تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، وإنما شجعت الكثير من الدول، ولا سيما في الغرب، على اتخاذ مواقف معادية للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المكافح من أجل استعادة حقوقه المشروعة في وطنه التاريخي فلسطين، بحدوده الجغرافية المعروفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"