بين النفط والنزوح والدولار

23:46 مساء
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة

هنالك تغييرات اقتصادية ومالية في المنطقة تحصل جراء تحول مصادر النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص حيث كان القطاع العام هو محرك النمو في السابق لكن انخفاض سعر النفط حول الاهتمام إلى القطاع الخاص وفرض على الحكومات تخفيف الإنفاق العام وخاصة تعديل سياسات دعم السلع والخدمات
تعتبر التحركات في المنطقة العربية اليوم نواة ما يحصل في العالم. كل الأنظار تتجه نحو ما يحصل هنا بدءًا من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن وغيرها. تتجه الأنظار إلينا بسبب النفط واللاجئين والمهجرين كما بسبب الدمار والقتل والإرهاب. تتجه إلينا الأنظار بسبب تأثير المنطقة على الاستثمارات وأسعار الصرف خاصة الدولار. يقول صندوق النقد الدولي إن هنالك عاملين يحركان المنطقة العربية هما النزاعات المختلفة وأسعار النفط. مشكلة النزاعات أنها عنيفة ومدمرة جداً في بعض الأحيان، كما يحصل في سوريا والعراق واليمن وسياسية حادة في بعضها الآخر كما يحصل بين إيران ودول مجلس التعاون. يقول «جيفري ساكس» إنه حان للمنطقة العربية أن تحكم نفسها بنفسها ولِمَ لا؟ في رأيه يجب أن تشكل هذه السنة بداية عصر إقليمي جديد يرتكز على التنمية المستدامة المبنية على ديمقراطية جديدة وقطاعي تعليم وتكنولوجيا متطورين كما على بيئة نظيفة وصالحة. ماذا ينقصنا؟
هنالك تغييرات اقتصادية ومالية في المنطقة ستحصل من جراء تحول مصادر النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص. سابقا، كان القطاع العام هو محرك النمو، لكن انخفاض سعر النفط حول الاهتمام إلى القطاع الخاص وفرض على الحكومات تخفيف الإنفاق العام وخاصة تعديل سياسات دعم السلع والخدمات بالإضافة إلى تخفيف التوظيف والتنبه إلى الأجور. المعلوم أن القطاع العام هو الموظف الأساسي في بعض الدول العربية وخاصة الدول الخليجية، أي حوالي 80% في السعودية و 93% في الكويت. اضطرت كل الدول بما فيها مصر وإيران ودول مجلس التعاون إلى تخفيف الدعم عن المحروقات ورفع أسعارها على المستهلك. هنالك مشاريع لرفع الضرائب وإدخال ضرائب جديدة في دول الخليج مثلاً، منها الضريبة على القيمة المضافة. من الإنفاق الذي خفض أيضا في بعض الدول هو الإنفاق على التعليم الذي انحدر في السعودية مثلا من 25% من مجموع الإنفاق إلى 22,8% في موازنة 2016. هنالك تغييرات ليست بالبسيطة تحصل تدريجيا في كل دول المنطقة.
عاني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم من مشكلتين أساسيتين تعقدان الأوضاع الاجتماعية والمالية المشتركة. المشكلة الأولى هي أسعار النفط التي تفيد الدول الصناعية المستهلكة لكنها تؤذي المنطقة عموماً بالرغم من وجود دول مستهلكة إقليمية تستفيد في نفس الوقت من مساعدات واستثمارات الدول النفطية وتحويلات العاملين فيها. بالرغم من أن أسعار النفط لم تعد تؤثر كما في الماضي على أوضاع الاقتصادات العالمية لأن الجميع متنبه لها ولأن الطاقات البديلة تعززت عالميا ولو جزئيا، لكنها تبقى أساسية لنا إذ لم تتجهز المنطقة بعد لما بعد المرحلة النفطية.
هناك عامل آخر مهم هو سعر صرف الدولار الذي يؤثر مباشرة على أوضاع المنطقة إذ أن معظم النقد الوطني مرتبط به. وهنالك 3 وقائع فيما يخص الدولار والمنطقة:
أولاً: بالرغم من الغنى المادي لدول المنطقة ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، لا تستطيع التأثير على سعر صرف الدولار كما يفتكر البعض.
ثانياً: تقييم النفط بالدولار يربط دول المنطقة كثيراً بالسياسة النقدية للولايات المتحدة. ثالثاً: الاحتياطي النقدي العربي والخليجي تحديداً موجود بالدولار وبالتالي هنالك مصلحة في بقاء الدولار قويا.
أخيراً لو استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ الوحدة النقدية، لكان النقد المشترك مرشحاً للعب دور عالمي من ثاني أكبر وحدة نقدية في العالم. إلا أن هذا المشروع مؤجل إلى أن تتفق الدول الست مجدداً على تفاصيل الوحدة متعلمة من أوروبا ومن تجارب أخرى أقل أهمية في إفريقيا والمنطقة الكاريبية.

كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"