تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

ضجة إعلامية كبيرة رافقت إعلان الرئيس دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية من سوريا الذي اعقبته سلسلة من الاعتراضات الأمريكية، وصلت إلى حد الاستقالة، كما هو الحال بالنسبة إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي استقال إثر إعلان الانسحاب، حيث أشار ماتيس إلى معارضة القرار، وألمح في رسالة استقالته إلى وجود اختلافات في رسم السياسات مع الرئيس ترامب.
في حين كتب عضو مجلس الشيوخ الجمهوري لندزي جراهام، في تغريدة تقول «إن أي انسحاب للقوات من هناك سيشكل خطراً استراتيجياً كبيراً، وقد يقوض التقدم الذي حققته الولايات المتحدة في المنطقة».
وعلى الرغم من هذه الضجة الإعلامية التي تركها قرار ترامب، فإن نظرة واقعية إلى المشهد السوري، تظهر أن القرار الأمريكي يحمل مغزى سياسياً، أكثر من قيمته العسكرية، فكما هو معلوم، تنشر الولايات المتحدة أقل من ألفين وخمسمئة جندي في سوريا، في عدد من القواعد المحدودة، وهذا العدد لا يشكل من الناحية العسكرية ثقلاً كبيراً بالنسبة إلى ساحة مثل الساحة السورية، وبلد تزيد مساحته على مئة وخمسة وثمانين ألف كيلومتر مربع، فضلاً عن التداخل المعقد للقوى المتصارعة على الأرض، ولذا، فإن من المبالغة القول إن الانسحاب الأمريكي سيترك فراغاً أمنياً كبيراً، كما يحاول البعض أن يروجوا، كما روجوا سابقاً عندما طرحت مسألة الانسحاب الأمريكي من العراق.
زد على ذلك أن أية منطقة دخلتها قوات الاحتلال الأمريكي حاولت البقاء فيها، متجاهلة عدم شرعية الوجود الأمريكي في هذه المناطق، والذي لا يعدو كونه احتلالاً واضح المعالم، وأكبر دليل على ذلك، هو استمرار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق، حيث يحافظ الأمريكيون على تواجدهم في أفغانستان منذ أكثر من سبعة عشر عاماً، وهم يتحدثون كل يوم عن خطط لانسحاب القوات الأمريكية من هناك، في الوقت الذي ما زالوا متمسكين بوجودهم في العراق أيضاً، ما دعا الرئيس الروسي للتشكيك في جدية القرار الأمريكي الانسحاب من سوريا، قائلاً في مؤتمر صحفي: «إن الخبرة في التدخلات الأمريكية تؤكد أن القدم الأمريكية لم تطأ مكاناً وانسحبت منه»، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وتعبيرهم عن تخوفهم من أن انسحاب القوات الأمريكية سينتج عنه فراغ لمصلحة إيران وروسيا، كما هو الحال بالنسبة إلى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، الذي أكد قبل يومين من قرار ترامب أن بلاده ستبقى في سوريا حتى هزيمة «داعش»، وإلى أن تكبح النفوذ الإيراني، ويتم إيجاد حل سياسي للحرب في سوريا، على حد تعبير المسؤول الأمريكي، الذي شاركه الرأي أيضاً، السيناتور الجمهوري، ليندسي جراهام الذي طالب الرئيس الأمريكي بالعودة عن قراره. أضف إلى ذلك المعارضة «الإسرائيلية» للقرار، واعتباره فشلاً سياسياً وأمنياً لترامب، ولرئيس الوزراء «الإسرائيلي».
وإزاء ما تقدم، يمكن القول إن القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، ليس إلا محاولة أمريكية لخلط الأوراق في منطقة تتسم بالتعقيد، والخطورة، ولأهداف تخدم المصلحة الأمريكية، ليس إلا. كما أن القرار الأمريكي يثبت مرة أخرى براجماتية التحالفات الأمريكية، ولا سيما المتعلقة بالتحالف مع الأكراد الذين ذاقوا مر المواقف الأمريكية المتأرجحة في العراق، زد على ذلك أن الخطوة الأمريكية هذه ستفتح الباب لصراعات جديدة في المنطقة، تخطط لها الإدارة الأمريكية، كما تعيد إلى الأذهان تلك المراهنة الخاسرة لقيادة الأكراد في كردستان العراق على الدعم الأمريكي قبل استفتاء الاستقلال في عام 2017.
كما أن قرار ترامب ربما يكون اتخذ لاعتبارات داخلية، ومناورة لتخفيف الضغط المؤسسي عليه الذي تصاعد عقب إقرار مايكل كوهين، المحامي السابق لترامب بالكذب خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ في ما يتعلق بالتحقيقات حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، في محاولة لإلهاء الرأي العام الأمريكي، فضلاً عن محاولات الابتزاز الأمريكي للمنادين ببقاء القوات الأمريكية في سوريا لتحمل المزيد من تكلفة هذه القوات، التي تمعن في تدمير المدن والقرى السورية، وقبلها العراقية، بحجة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وأخواته، وهي تنظيمات لم يعد خافياً على أحد دور الاستخبارات الغربية، ولا سيما الأمريكية، في إنشائها.
أخيراً، لابد من التذكير بأن السياسات الأمريكية، لا يصنعها أشخاص كما يعتقد البعض، وإنما هي سياسات مدروسة، تحكم القبضة عليها لوبيات سياسية واقتصادية معروفة، وتتحرك بوحي من المصالح الرأسمالية لأمريكا.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"