تذويب القضية الفلسطينية بـ «النووي»

02:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

يتوقع أن تعمد الإدارة الأمريكية إلى حملة ضغوط جديدة لثني الدول الأوروبية التي تقدم مساعدات إلى الفلسطينيين عن مواصلة دعمهم في إطار مساعيها لفرض حصار أشد لإجبارهم على الاستسلام ل«صفقة القرن». وسيطرح المبعوث الأمريكي غرينبلات هذا الأمر في الأمم المتحدة قبل جولة مقررة لعراب الصفقة جاريد كوشنر الذي سيزور عدداً من الدول العربية لبحث الشق السياسي من صفقته والترويج لها، ويصطحب معه المبعوث الأمريكي المكلف بالملف الإيراني، وكأنه يربط بين الملف الفلسطيني والملف الإيراني في محاولة للمقايضة بين مواجهة إيران وانتزاع مواقف مؤيدة للصفقة.
الفلسطينيون لم يجدوا حلاً بعد لأزمتهم المالية التي يسعى المستوطن غرينبلات إلى زيادتها تفاقماً بحجب أي مساعدات دولية عنهم خاصة أنهم يمرون منذ خمسة أشهر بحالة من الركود المالي بعد احتجاز أموال المقاصة من قبل الاحتلال حيث بلغت حتى الآن قرابة 600 مليون دولار. ولا يرى الفلسطينيون في الإفراج عن أموالهم حلاً بل يطالبون بتدقيق حسابات في المقاصة لأن سلطات الاحتلال دأبت على خصم فواتير ومبالغ كبيرة من أموالهم على مدى عقود دون تقديم فواتير، والحل الأمثل هو إعادة النظر في اتفاق باريس الاقتصادي الذي لم تلتزم «إسرائيل» به أبداً وجيرته لصالحها وسرقت الأموال ودمرت الاقتصاد الفلسطيني. ومثال على ذلك تراكم مبالغ بالعملة «الإسرائيلية» في البنوك الفلسطينية ورفض سلطات الاحتلال استلامها إلا بمعدل مليار شيقل شهرياً، ما يعني أن البنوك تجد أموالها النقدية بالعملة «الإسرائيلية» دون استخدام ولا تستطيع استثمارها. لهذا بدأ رئيس الوزراء الفلسطيني يتحدث عن ضرورة إصدار عملة فلسطينية أو عملة رقمية لمواجهة التسلط الاحتلالي اقتصادياً وفتح أسواق في الأردن والعراق للإنتاج الفلسطيني واستبدال الواردات «الإسرائيلية» بالواردات الأردنية. وللدلالة على التغول الاحتلالي اقتصادياً تضطر السلطة إلى تحويل مبلغ يوازي 65 مليون درهم شهرياً إلى المالية «الإسرائيلية» كضمان على وارداتها من الوقود من الاحتلال وخشية أن تبيع الوقود في السوق «الإسرائيلية» بأسعار أقل من السعر«الإسرائيلي»، وفي نهاية الشهر تعيد المالية «الإسرائيلية» الأموال مع خصم ثلاثة في المئة منها دون وجه حق. فالمقاصة مع الاحتلال يتولاها ثلاثة موظفين في المالية «الإسرائيلية» وتبلغ عشرات الملايين شهرياً لحساب «الإسرائيليين» وتقتطع من أموالهم نسبة ثلاثة في المئة.
هذا الإجحاف، تحاول السلطة الفكاك منه دون جدوى لكن للصبر حدود سواء في مواجهة الاحتلال أو سياسة الحصار الأمريكية التي تصاعدت بعد مقاطعة الورشة الاقتصادية، ومع ذلك يحاول الأمريكيون حتى الآن الترويج لها بدعوة صحفيين إلى البيت الأبيض وهو ما رفضته نقابة الصحفيين الفلسطينيين بشدة، كما أن فشل واشنطن في استقطاب رجال أعمال جعل إيفانكا ترامب زوجة كوشنر تسعى حالياً لاستضافة سيدات فلسطينيات في البيت الأبيض وهو مسعى سينتهي إلى الفشل أيضاً. فالأمريكيون يحاولون بشتى الطرق استقطاب أي فلسطيني للقول إن هناك من يوافق على خطتهم لكن دون جدوى، وقد أرسلوا وفوداً ووسطوا دولاً لفتح أي حوار مع منظمة التحرير عارضين إعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، لكن الرد الفلسطيني كان مع من سنتحاور إذا تم شطب القدس والمستوطنات والأغوار واللاجئين، وما الذي يتبقى للتفاوض عليه ؟! وقد بدأ ثالوث صفقة القرن، كوشنر وغرينبلات والسفير فريدمان يتحدثون بلغة جديدة مغايرة للسياسة الأمريكية السابقة، فها هو فريدمان يتحدث عن احتياجات الفلسطينيين وليس عن حقوقهم، وغرينبلات يتحدث عن أن «أسرائيل» لم تخطئ في سياستها منذ سنة 1948، وأن«إسرائيل» كانت ضحية، وأن الضفة الغربية أرض «إسرائيلية»، وكوشنر يتحدث عن توطين اللاجئين في البلاد العربية، وعن حوار مع كل مركبات الصراع، مشيراً إلى قيادتين فلسطينيتين، الأولى في الضفة والأخرى في غزة، وكأنه سيتعامل مع الفلسطينيين كشعبين، ما يؤكد خطة مؤامرة «دولة غزة» كبديل عن الدولة الفلسطينية.
التفكير الفلسطيني الآن يشير إلى اعتزام السلطة الذهاب للانضمام إلى 20 منظمة دولية مهمة كان الفلسطينيون التزموا أمام إدارة أوباما السابقة بعدم الانضمام إليها، لكن الآن بات الأمر مطروحاً ما يعني فرض عزلة دولية على واشنطن، لأن الأخيرة تنسحب من أي منظمة ينضم إليها الفلسطينيون ومنها ما هو مهم جداً للأمريكيين كمنظمة الحماية الفكرية وغيرها. والخطوة التالية تجاه الاحتلال هي سحب الاعتراف وإلغاء الاعتراف بكل الاتفاقات معه طالما أنه لا يلتزم بها.
فالأمريكيون و«الإسرائيليون» يحاولون حالياً خلط حابل القضية الفلسطينية بنابل الأزمة مع إيران، لتحقيق إنجازات تشطب الحقوق الفلسطينية بالكامل، ولنا أن نكرر ما قاله وزير الخارجية الأمريكي بومبيو في تل أبيب من أن الرب أرسل ترامب لإنقاذ «إسرائيل»، فرد عليه نظيره الإيراني جواد ظريف أن ملكاً فارسياً هو الذي حمى اليهود من النفي، وأن ملكاً فارسياً هو من أعادهم من النفي، وما بين سطور الوزيرين نفهم الكثير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"