ترامب ونتنياهو.. فلسطين «يوك»

02:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
حافظ البرغوثي

حذفت الخارجية الأمريكية اسم فلسطين والسلطة الفلسطينية من جدول الدول لديها، وكانت في السابق تشير إلى ذلك باسم السلطة الفلسطينية. ولعل الإنكار الأمريكي الجديد هو اللبنة الأخيرة من مؤامرة صفقة القرن التي لم يكشف النقاب عنها/ لكن الحذف قد يكون اللمسة الأخيرة ربما بناء على إلحاح من نتنياهو الذي بات في وضع ميؤوس منه انتخابياً، ويطمح من حليفه في البيت الأبيض إلى أن يتم تقديم القضية الفلسطينية قرباناً في صناديق الانتخابات لإنجاحه، وإبعاد شبح المحاكمة، والسجن عنه. فالصفقة المشؤومة باتت واضحة للعيان من خلال التصريحات والوقائع على الأرض التي تنفذها سلطات الاحتلال بموافقة أمريكية، بل وبدعم مطلق لم يسبق له مثيل على مدى تاريخ القضية الفلسطينية.
إن شطب اسم فلسطين هو نتيجة حتمية لصفقة القرن التي لا تشير إلى قيام دولة فلسطينية، بل مجرد حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في منطقة محدودة من الضفة لا تتجاوز مساحتها 39 في المئة من مساحة الضفة، بحقوق مدنية فقط، وليست سياسية، ويكون الحكم الذاتي كما هو الآن، أي تحت سلطة الاحتلال، بحيث يتحكم الاحتلال في كل مجالات الحياة، فالمياه الفلسطينية تخضع لسلطة المياه «الإسرائيلية» التي تنهب المياه الجوفية، وتبيعها للفلسطينيين، وتحظر عليهم حفر أية آبار، أو الاستفادة، من مياه الينابيع التي يستثمرها المستوطنون، أو يتخذونها مسابح للتطهر من الذنوب، كما يعتقدون، حيث إن العملية الأخيرة غرب رام الله كانت موجهة لسيارة مستوطنين قرب نبع ماء يتطهر بمائه اليهود.
والكهرباء باتت تشترى من شركة «إسرائيلية»، حيث تهدد «إسرائيل» بقطعها، لأن الاحتلال يمنع إقامة أية منشآت كهربائية فلسطينية لإنتاج الكهرباء منذ بداية السبعينات، ويمنع شركة كهرباء القدس من تركيب مولدات جديدة في شعفاط، فاضطرت الشركة حفاظاً على امتيازها إلى شراء الكهرباء من «الإسرائيليين» الذين فرضوا عليها إيصال الكهرباء للمستوطنين وبأثمان أقل من المباعة للمستهلك الفلسطيني، بهدف إفلاس الشركة والاستحواذ على منطقة امتيازها منذ زمن الانتداب البريطاني.
وبقية مجالات الحياة كالواردات والصادرات وحركة التنقل تخضع للاحتلال، لأن السيطرة على الحدود بيد الاحتلال.
شطب اسم فلسطين كان نتاج جهود من اللوبي اليهودي، والقوى الصهيونية في الخارجية الأمريكية، والكونجرس منذ الخمسينات، حيث حاولت الإدارة الأمريكية منذ البدء شطب قضية اللاجئين، والقرار الخاص بهم رقم 194 وتوطينهم، أو تهجيرهم إلى بلاد عربية، وأجنبية، مقابل حوافز مادية، لكن كل المحاولات باءت بالفشل. ففي البداية كان هناك مشروع جونستون لتوطين اللاجئين في سيناء، وألغاه الزعيم جمال عبد الناصر، وكان الوزير الأمريكي جون فوستر دالاس، أول من دعا إلى تصفية قضية اللاجئين، وتوطينهم سنة 1953، حيث قال مقولته الشهيرة: الكبار يموتون، والصغار ينسون. وقوبل اقتراحه بالرفض العربي الشامل. وكانت الإدارة الأمريكية بعد عدوان 1967 حاولت حل الصراع على أساس قرار مجلس الأمن 242 في ما سمي مشروع روجرز، لكن هنري كسينجر مستشار الرئيس نيكسون، ونيكسون نفسه، عرقلا هذه المبادرة ونجحا في إفشالها. وظلت الإدارات الأمريكية تشير إلى الضفة وغزة باعتبارهما أرضاً محتلة، وتعتبر الاستيطان العقبة في طريق السلام، لكن إدارة ترامب ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث لم تعد تعتبر الاستيطان عقبة، وشطبت اسم الضفة الغربية، واستبدلته بالاسم الاحتلالي «يهودا والسامرة»، وحالياً تم شطب اسم السلطة الفلسطينية، وفلسطين، وكذلك قضية اللاجئين والقدس المحتلة. وقد لعبت مراكز الأبحاث الممولة من اليهود في الولايات المتحدة دوراً كبيراً في الدفع باتجاه إلغاء قضية اللاجئين، واسم فلسطين، وصولاً إلى ما زعمه يائير، ابن بنيامين نتنياهو، مؤخراً، من أنه قبل مئة سنة لم يكن هناك شعب، في فلسطين، كأنه يعود إلى مقولة هرتزل: أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وزعم أن الفلسطينيين الحاليين جاؤوا من مصر حيث توجد عائلة كبيرة اسمها المصري في فلسطين، ونسي أن المصريين استقدموا إلى نابلس للعمل كمهنيين في المدينة التي كانت العاصمة الاقتصادية المهنية لفلسطين أيام الأتراك. وكان نتنياهو نفى وجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وزعم أن اسم «فلستا» اليوناني أطلق على شعب جاء من كريت وانقرض، أما الفلسطينيون الحاليون فلا علاقة لهم بالقدماء، على حد زعمه، متجاهلاً الوجود العربي منذ الكنعانيين قبل ظهور اليهود تاريخياً.
«الإسرائيليون» طلبوا بلسان نتنياهو في الانتخابات السابقة من ترامب الاعتراف بالسيادة «الإسرائيلية» على الضفة، وقال نتنياهو إن لدينا صديقاً في البيت الأبيض لن يتكرر، وسيلبي طلبنا. وهكذا نرى أن «الإسرائيليين» باتوا يرون أن الشرعية الأمريكية أهم من الشرعية الدولية، وأن ما يقرره الأمريكيون هو المعترف به فقط. وسواء اعترف الأمريكيون و«الإسرائيليون» بالشعب الفلسطيني، أم لا، فالشعب باق على العهد، وعلى أرضه، ولا يلغيه الأمريكيون، أو غيرهم.
يحكى أن أميرال البحر العثماني جاءه أمر من قادته باحتلال مالطا، فبسط خريطة البحر الأبيض المتوسط أمامه، ووضع شمعداناً للإضاءة فوق الخريطة ليراها أفضل، وبحث عن مالطا فلم يجدها، فأبرق لقادته قائلاً «مالطا يوك»، أي غير موجودة، ونسي أنه وضع الشمعدان فوق موقعها على الخريطة. وهذا حال الأمريكيين و«الإسرائيليين» عندما يزعمون أن «فلسطين يوك».


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"