تركيا.. ضحايا القمع إلى ازدياد

03:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

يوجد اليوم في تركيا 132 صحفياً في السجون. وتحتل تركيا المرتبة 157 في العالم لجهة حرية الصحافة. إلى ذلك فإن موقع «ويكيبيديا» الشهير محظور في تركيا منذ 884 يوماً. وماذا بعد؟
انضمت «نيغيهان ألتشي» إلى قائمة المطاردين بذريعة تحقير الدولة. نيغيهان ألتشي صحفية معروفة وعرفت بتأييدها المطلق لسياسات حزب العدالة والتنمية في وقت كانت غالبية الكتّاب الأتراك تنتقد التضييق على حرية التعبير واعتقالات الصحفيين.
واهم من يظن أنه بمأمن من سيف الملاحقة لأدنى فكرة أو نقد. ففي الأسبوع الماضي كانت نيغيهان ألتشي تصف ممارسات الدولة ضد فئات من المجتمع على امتداد عقود بأنها «إرهاب دولة». لم يرق ذلك للقضاء الذي أوعز لأحدهم بتقديم شكوى تحقير الدولة ضد ألتشي. القضية لا تزال في بدايتها ولكن شجاعة التعبير عن الضيق بحال الحريات بدأت تطال الكثيرين والكثيرات ممن كانوا معجبين ومؤيدين لنمط حكم الفرد والزعيم الأوحد في تركيا على غرار ما كان قائماً في عهدي أتاتورك وعصمت إينونو.
ليس هامشياً أن تقول ألتشي إن الدولة مفهوم غير مقدس، وأن المقدس هو فقط الوطن. وتقول إن تركيا تعيش اليوم في حقبة صعود الذهنية التي تعتبر مفهوم الدولة مقدساً الذي كان قائماً بين عامي 1982 و 1997. وتقول إنه ليس من الخطأ أن نوصّف هذا ب «صعود الفاشية». وأن الوضع القائم يشكل تهديداً جدياً وخطيراً لمستقبل الجمهورية التركية كما على مستقبل المجتمع. وتقول إن ما واجهته من انتقادات وحملات بعد مقابلتها التلفزيونية يشكل خطراً كذلك على حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية نفسيهما.
وتقول ألتشي «إن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان كان يقول إن تنمية الإنسان هي وسيلة تنمية الدولة. لكن حزب العدالة والتنمية يبتعد عن هذه الفلسفة، وفي ذلك هو يحفر قبره بيده. إذا وجد الإنسان وجدت الدولة وإذا سُحق الإنسان تصبح الدولة غير مشروعة. وفي هذا لا يختلف حزب الحركة القومية عن حزب العدالة والتنمية».
لم تقف ألتشي مكتوفة اليدين بل قررت أن تواجه الدعوى بدعوى ضد كل من افترى عليها من قوى «فاشية».
ليست حالة نيغيهان ألتشي الأخيرة مستغربة. فالذهنية التي سبقت قضيتها لا تستطيع أن تشبع مثل نار جهنم التي تُسأل: «هل امتلأت وتقول هل من مزيد».
تأتي قضية نيغيهان ألتشي في وقت قدم فيه وزير العدل عبد الحميد غول رزمة «إصلاحات» قضائية للبرلمان لمناقشتها وإقرارها. وهو نفسه يقول إن الصحفي لا يُسأل ولا يجب أن يُسأل.. لكن الكلام شيء والتطبيق شيء آخر.
ففي 27 سبتمبر، أي قبل أيام، كان القضاء يحكم على الصحفي المعروف محمد يلماز بالسجن أربع سنوات لمجرد أنه تساءل عن ثروة أبناء رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم واعتبرت المحكمة ذلك «تحقيراً».
وقبل ذلك بيوم واحد حكم القضاء على الباحث العلمي بولنت إيشيك بالسجن 15 شهراً لأنه كتب عن وجود مواد مسرطنة في منتجات زراعية ناشراً وثيقة اعتبرتها المحكمة سرية تؤكد وجود المواد المسرطنة.
ويورد الكاتب مراد يتكين جانباً من «جردة» مختصرة جداً عن حال المعتقلين في تركيا.
الرئيسان المشتركان لحزب الشعوب الديمقراطي(الكردي) صلاح الدين ديميرطاش وفيغين يوكسيكداغ لا يزالان في السجن منذ العام 2016 بتهمة الترويج لحزب العمال الكردستاني. النائب السابق الكردي سرّي ثريا اوندير الذي عمل وسيطاً بموافقة الدولة التركية بين الدولة وحزب العمال الكردستاني في السجن منذ العام 2018 بتهمة الدعاية للإرهاب. كذلك وبالتهمة نفسها يقبع النائب الشاب عن حزب الشعب الجمهوري إيرين إرديم في السجن بتهمة الارتباط بالإرهاب. أيضاً فإن الناشط الاجتماعي المعروف عثمان كافالا في السجن منذ سبعمئة يوم.
كذلك يقبع عدد كبير من الكتّاب في السجن منهم النائبة السابقة نازلي إيليجاق، والمفكران الجامعيان الشقيقان محمد وأحمد ألتان.
وتذكر جمعية الصحفيين الأتراك أنه يوجد اليوم في تركيا 132 صحفياً في السجون. وأن تركيا تحتل المرتبة 157 في العالم لجهة حرية الصحافة. إلى ذلك فإن موقع «ويكيبيديا» الشهير محظور في تركيا منذ 884 يوماً. وماذا بعد؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"