تركيا والـ «كورونا».. 15 يوليو آخر

03:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

تسود قناعة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان على علم مسبق ولو بساعات، بحدوث محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز 2016، وأن هذه المعرفة حدثت؛ بفضل مساعدة استخباراتية روسية. وقد ذهبت جملته مضرب مثل عندما وصف المحاولة بأنها لطف من الله. وكان أردوغان يقصد بذلك أنها الفرصة الأهم للتخلص من كل معارضيه تحت شبهة أنهم من المشاركين في المحاولة الانقلابية.
الكل يتذكر كيف أن انتقام أردوغان بدأ بجماعة فتح الله جولين المتهم الرئيسي بتدبير المحاولة الانقلابية. فاندفع القضاء التركي التابع لحزب العدالة والتنمية بأكبر عملية تصفية لأنصار جولين في المؤسسات العامة بدءاً من الجيش والقطاعات الأمنية وصولاً إلى المؤسسات التعليمية وكل مكان في الدولة. ووصل رقم الذين اعتقلوا أو طردوا من وظائفهم إلى مستويات قياسية وصلت إلى حدود 250 ألفاً وربما أكثر بكثير.
وانتهز حزب العدالة والتنمية الفرصة الانقلابية لكي يطبق أيضاً على كل من اعتبره معارضاً له من غير جماعة فتح الله جولين. ومن هؤلاء؛ بل في مقدمتهم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي تعرض لأكبر تصفية لكوادره، من بينهم الذين يتولون مواقع منتخبة مثل رئاسة البلديات، فتمت إطاحتهم بعد تغيير قانون البلديات وتم تعيين آخرين مكانهم. كما طالت حفلة الاستئصال عدداً كبيراً من المثقفين والصحفيين المعارضين لسياسات أردوغان ولا يزال الكثير منهم في السجن بما يشكل مخالفة صريحة لحقوقهم في التعبير السلمي عن آرائهم والكثير منهم غادروا تركيا سراً وهم يعيشون الآن في المنافي ولا سيما في أوروبا.
أما الإجراء الأكثر جذرية فكان تغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، بما يعزز السلطة الاستبدادية لرئيس الجمهورية بعدما أُلغي موقع رئيس الوزراء.
اليوم، مع انتشار وباء «كورونا» في العالم وبعد تأخير مثير لعلامات الاستفهام، اعترفت أنقرة في 11 مارس/آذار الماضي بوقوع أول إصابة بكورونا فيها لتدخل تركيا زمن الكورونا وليقترب العداد اليوم، بعد أقل من شهر، إلى أكثر من 40 ألف إصابة، وألف حالة وفاة.
لكن المثير أن الحكومة اتبعت في مسألة مواجهة وباء كورونا الأسلوب ذاته الذي اتبعته في مواجهة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016. والعنوان الرئيسي لذلك أن وباء كورونا هو الفرصة المنتظرة الثانية لإضعاف خصوم أردوغان ومنع تحويل الوباء إلى مطية للمعارضة لتظهر وجهها التعاضدي مع الناس كما لو أن هذا من اختصاص السلطة فقط.
الإجراء الأول الذي قامت به الحكومة هو منع بلديات المعارضة من أن تجمع المال؛ لتقديم المساعدة لعشرات الآلاف من الذين فقدوا أعمالهم؛ بسبب الحجر المنزلي وتوقف الأعمال. وهي بلديات منتخبة وفي مقدمتها بلديات تعادل حكومات مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير. منعت الحكومة المصارف من فتح أي حساب لبلديات المعارضة؛ لاستقبال التبرعات. وكما اتهم أردوغان، جولين بأنه كان يريد إقامة دولة داخل الدولة أو أنه يريد إقامة «كيان موازٍ» فقد استخدم وزير الداخلية سليمان صويلو، وللمفارقة، المصطلح نفسه أي أن المعارضة تريد إقامة دولة مستقلة عن الدولة، في وقت يتطلب مثل هذا الوباء الخبيث أوسع حالة من التعاون والتكاتف؛ لمواجهته.
والإجراء الثاني الذي اتخذته الحكومة هو أنه في ظل انشغال كل الناس والأحزاب بكيفية مواجهة «كورونا» كان تفكير حزب العدالة والتنمية في مكان آخر تماماً لا يخطر على بال أحد، وهو عزل العديد من رؤساء البلديات الأكراد وتعيين آخرين من موظفي السلطة من محافظين أو قائمقامين بدلاً منهم. والتهمة الجاهزة أنهم يدعمون الإرهاب المقصود به حزب العمال الكردستاني.
والإجراء الثالث هو قانون العفو الذي فصّله حزب العدالة والتنمية وشريكه القومي العنصري حزب الحركة القومية على مقاسهما؛ بحيث يبقى في السجون كل من له صلة بالمعارضة من أكراد وأتراك؛ بذريعة دعم الإرهاب. كذلك إبقاء سجناء الرأي من كتّاب وصحفيين قيد الاعتقال.
إن انتهاز الفرصة في زمن الكورونا لتصفية حسابات سياسية ضيقة، وأصلاً مؤذية للناس، هو عمل أقل ما يقال فيه إنه غير أخلاقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"