تشخيص الفتنة.. والداء

05:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
لم تترك هذه القصيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شاردة ولا واردة إلّا وتطرقت إليها ولم تلمح صيداً إلّا اقتنصته، فالقصيدة ربما يلاحظ القارئ أنها بدأت بخاتمة الفكرة أو زبدة الموضوع، وأن ما سيلي البيت الأول تحديداً هو شرح تفصيلي، وعادة ما يكون النص في حالة تصاعدية وترتفع حرارته حتى يصل إلى البيت الأخير، أمّا هنا، فإنه فيبدو أن الفكرة كلها تجمعت واختزلت في هذا البيت: 

ليس للإرهاب دينٌ أو كتابْ
              هو فيما بان لي شرْعة غابْ

ومع أن تعريف الإرهاب ربما لا يخرج عن محتوى هذا البيت، الذي اعتمد فيه الشاعر على التكثيف العالي وتجلّـى هذا البيت في القصيدة وكأنه الملكة، وأن الأبيات التالية ماهي إلا وصيفات تعمل على خدمتها إلّا أن بعض أبيات القصيدة تصلح لكي تكون عناوين مواضيع مهمة وغاية في الحساسية، وكعادة سموه فنصوصه لا تأتي مفككة أو مرتبكة في الفكرة أو في وحدتها على الرغم من تعدد المحاور وتنوع العناوين، لكنه وبحرفية عالية يجعل كل مفردات القصيدة تستظل تحت سماء فكرة واحدة، حتى وإن تطرق إلى مواضيع شتّى، فهي تبقى في جسد ومتن المضمون العام.
واللافت أن سموه يستطيع الكتابة عن الأحداث والتماسّ معها، على الرغم من حرارتها وحداثة وقوعها، فيأخذ من لهيب الحدث قبساً يضيء به دروب الفكرة، وفي تسلسل النص نجد توافقاً عجيباً ولافتاً لفكرة الخطوات، خصوصاً أنه ذكر شيطنة الفعل الإرهابي ثم تنفيذه وربطها بهذا المعنى، وهو يتوافق مع قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان» فسموه نسج جزئيات النص بتتابع دقيق وبحرفية سرد شفيف وبخطوات واثقة متتالية، وفي أربعة أبيات متراصة قبل أن يشرح هذا الفعل ويصفه بأنه ناتج عن فكر عفن، وتصرف ينافي العقل والإنسانية والفطرة التي جعلت التساؤل يأتي استنكارياً ذا غرابة لا تخلو من الدهشة والصدمة:
أيّ فكرٍ هو هذا فكرهم
               غير قتل النفس من غير احتسابْ
نعم، فإن ما تمر به الأمة من تفكك وضياع ودمار وتنكيل، هو نتيجة فكر حاد عن الطريق وانحرف عن جادة الصواب وهو يظن أنه على الحق، وهذه التبعية العمياء لا تأتي إلّا من عقيدة تم ترسيخها في عقول فارغة ونفوس لا تحمل وازعاً خلقياً أو عقدياً، واستطاعوا تغذيتها حتى أصبحوا يتحكمون في أفعالها وتصرفاتها ومن دون توقف ولو للحظة أو تفكر فيما ستؤول إليه هذه الأفعال، وقد أثبتت الوقائع أن هذه الشيطنة الموجهة أوصلت أصحابها إلى قتل أهلهم وذويهم، ثم بلغت ذروتها لتنسى الحرمات وتنسف المبادئ والمثل وتفجر نفسها مسببة الأذى للبشرية وللمتمسكين بمحبتهم وبمعتقداتهم ومقدساتهم.
حاولوا تفجيرَ صرحٍ شامخٍ
             قد بناه المهتدي الهادي المجابْ
مسجد أسّس بالتقوى ومن
               نورِه النورُ غشا الكونَ وطابْ
وفي هذه الأبيات ما يذكّر بآيات كثيرة تدعو إلى التأدب عند رسول الإنسانية، ومنها قول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»
ويصور سموه بشاعة هذا الفعل وقسوته بذكره أن الشيطان ربما يتردد عن فعله، لكن الأفكار الضالة المنحرفة التي لا تنتمي إلى الأديان السماوية فاقت فعل الشيطان، وتجنّت على أطهر الأماكن، وقد سبق أن تم انتهاك حرمتها، فمنذ أبرهة الذي جاء لهدم الكعبة إلى القرامطة وما فعلوه من تنكيل وقتل وسرقة، وصولاً إلى ما نشاهده من أفعال لا إنسانية ولا أخلاقية بدأت بمصيبة الرافعة لتصل إلى التفجير بالقرب من قبر سيد البشر وحرمه النبوي، وهو ما يعني أن هذا الفكر وصل غلوّه أو علوّه إلى درجة تبشر بزواله لكن الحق يحتاج إلى نفوس صادقة وهمم عالية تنصره وأسباب تؤتى ليتحقق للأمة العزة والمنعة والنصر، ولذلك فإن الخاتمة كانت ذكية حين ربطها سموه بالدعوة إلى محاربة هذا الفكر بكل الوسائل وبطرق شتّى تتضافر من أجل أن يعود الأمن والأمان إلى البشرية فإعداد القوة الفكرية والسياسية والعسكرية واستخدامها في مكانها كعملية يراد من ورائها ردع المعتدي ليردّ له صوابه، هو حق مشروع يحفظ للأمم كرامتها ومنجزاتها ويحقق لها قدراً كبيراً من التوازن بل والتفوق في مجالات كثيرة.

محمد عبدالله البريكي
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"