تعبيد طريق الإليزيه أمام اليمين المتطرف

02:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . غسان العزي
بعد هزيمة الرئيس ساركوزي أمام فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية العام 2012 دخل حزبه "التجمع من أجل حركة شعبية" في مرحلة من التخبط والانقسامات . فرانسوا كوبيه رئيس الحزب بدأ ما يشبه المعركة الانتخابية لرئاسيات العام ،2017 ما أثار حفيظة رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيللون الذي يعتبر نفسه الخلف الطبيعي لساركوزي، في وقت كان يلمع نجم آلان جوبيه، وزير الخارجية الأسبق، في استطلاعات الرأي . لكن ساركوزي حسم الجدل بإعلانه العودة عن قراره اعتزال السياسة وترشحه لرئاسة حزب التجمع المذكور قبل فوزه بنسبة 61% من أصوات المحازبين .
وللتذكير فإن شعبية ساركوزي وصلت إلى مستويات دنيا غير مسبوقة خلال ولايته الرئاسية بين العامين 2007 و2012 إلى درجة أنه أضحى الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة . لكن الرئيس هولاند كسر الرقم القياسي لساركوزي إذ تدنت شعبيته إلى 13 في المئة وهو الرقم الأدنى في تاريخ هذه الجمهورية .
وبات من المؤكد، وسط المشاكل الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها فرنسا، بأن هولاند، الذي لم يعد يحظى بتأييد أحد في حزبه وخارجه، سيخسر الانتخابات المقبلة أياً يكن غريمه . وهكذا فإن الفراغ في قمرة القيادة السياسية الفرنسية بات واضحاً في غياب زعيم تاريخي، من اليسار أو اليمين، يتمتع بكاريزما وشعبية كافيتين لتوقع فوزه في انتخابات العام 2017 الرئاسية .
في المقابل يسيطر جو من التفاؤل والأمل في صفوف "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة التي تتزعمها مارين لوبان ابنة الزعيم التاريخي للجبهة جان - ماري الذي أسسها في العام 1972 .
فقد حققت هذه الجبهة تقدماً واضحاً في كل الانتخابات، البلدية والإقليمية والأوروبية، التي خاضتها في العام الجاري . وفي الشهر الماضي أكدت مارين لوبان ظاهرة ما بات يعرف بال"مارينية" في الجبهة التي تتزعمها منذ العام ،2011 عندما أعادت اللجنة المركزية انتخابها زعيمة لها وذلك بنسبة 100%، من الأصوات، كما انتخبت ابنتها ماريون وكل المقربين منها كأعضاء في اللجنة المذكورة . وبذلك أضحت مارين لوبان زعيمة لهذه الجبهة من دون منازع .
وهكذا، ففي الوقت الذي يتخبط فيه الحزبان الكبيران، الاشتراكي واليميني، في الانقسامات الداخلية يبرز تماسك الجبهة الوطنية المتطرفة حول لجنة مركزية قوية وزعيم يحظى بإجماع المناصرين، الأمر الذي يغريها بالتفكير جدياً في إمكانية الوصول إلى الإليزيه . وتقوم استراتيجية لوبان بالتوجه إلى ما تسميهم "غير المرئيين" من المواطنين الذين لا يجدون أنفسهم لا في اليمين الساركوزي ولا في اليسار الاشتراكي فضلاً عن الوسط الذي يتزعمه فرانسوا بايرو الذي لم يعد يستحوذ على أكثر من 5% من الأصوات كما كشفت الانتخابات المختلفة السابقة . وتقول لوبان إن ثلثي الفرنسيين يعانون الآثار السلبية للعولمة وللاتحاد الأوروبي، وإن عليها أن تقنع ثمانين في المئة من هؤلاء كي تصل إلى الإليزيه، وهذا ليس بالمرام الصعب قبل سنتين من الانتخابات الرئاسية والتي يرجح المحللون أن تزداد خلالهما الصعوبات المعيشية تفاقماً . ويقول استراتيجيو الجبهة الوطنية ومنهم الكاتب والباحث الجيوبوليتيكي المعروف ايمريك شوبراد إن المواطنين يلتحقون بالجبهة لسببين رئيسيين على الأقل: لأنهم يعانون الأزمة الاقتصادية ويرفضون تدمير الهوية الوطنية .
وتقول الإحصاءات، التي تعتمد عليها لوبان في دعايتها الانتخابية وتوقعها الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن الجبهة الوطنية هي الأولى من حيث الشعبية في صفوف إجراء القطاع الخاص والعاطلين عن العمل، والثانية في صفوف الموظفين والشبان والتجار الصغار . هذه هي بنية الحزب التي ستصل إلى السلطة، كما تتوقع . ويؤكد قيادي آخر في الجبهة الوطنية بأن التفكير الجدي بالوصول إلى الرئاسة لم يبدأ إلا في العام 2102 وبأن الجبهة إذا لم تفز في انتخابات العام 2017 المقبلة فإن فوزها مؤكد في العام 2022 .
وفي سبيل ذلك يراهن الجبهويون على انقسامات اليمين وتنافس زعمائه في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة (الأمر الذي سبق وحصل في أكثر من انتخابات ماضية) ما يدفع إلى هزيمتهم جميعاً ووصول مرشح الجبهة الوطنية إلى الدورة الثانية وفوزه عندئذ على المرشح اليساري .
لتفادي مثل هذا السيناريو الذي أرعب الفرنسيين في العام 2002 عندما وصل جان - ماري لوبان إلى الدورة الثانية، خلافاً لكل التوقعات، في مواجهة الرئيس جاك شيراك (بسبب تنافس الزعماء اليساريين في الدورة الأولى ما أدى إلى هزيمتهم جميعاً)، فعلى الحزبين الكبيرين، الاشتراكي واليميني، أن ينظما صفوفهما ويتغلبا على خلافاتهما الداخلية . فهل هذا ممكن في سنتين ونيف؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"