تعلم كيفية التعلم

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

يرى تقرير التنمية في العالم لعام 2018، الذي أصدره البنك الدولي أنه «حتى تفي البلدان بوعودها في مجال التعليم؛ عليها إعطاء أولوية للتعلم، وليس التعليم المدرسي وحده»، وفي الواقع تجمع الدراسات الحديثة على أهمية التعلم؛ لأنه يعد مدخلاً أساسياً؛ لتحقيق التنمية، وتحرص على بلورة هذا المدخل، وتقديم مبررات انتهاجه. ولعل التغيرات التي يشهدها العالم الآن حول ديناميات التنمية، ومنظمات المجتمع، والمجتمع المدني، وزيادة تأثير الدول الصناعية الجديدة؛ تفرض مداخل التعلم؛ من أجل التنمية. ويرى البعض أن مداخل للتعلم؛ من أجل التنمية تتحدد في ثلاثة أمور: أولها هو فهم كيفية حدوث التعلم، ولماذا يحدث؟ والاهتمام في كل الحالات بالتعلم التكنولوجي والابتكار.
أما المدخل الثاني، فهو كيف تعزز التعلم من أجل التنمية؟ على حين يتمثل المدخل الثالث في التعلم والمشاركة؛ بمعنى أن يشارك الجميع بآرائهم وأفكارهم ومعارفهم في صياغة برنامج تنموي يتوافق مع قدرات المستفيدين والمانحين أو الممولين، ويتيح هذا المدخل للمشاركين المستفيدين الانتماء والاندماج في البرامج والمشروعات والدعوة لتنفيذها بدقة ونجاحها. وبالتالي يتفاعل الجميع معاً، ويسود التسامح عند الخلاف،
والوحدة عند التنوع.
يقول جوزيف ستليغليتز وبروس غرينوولد في كتابهما «إقامة مجتمع التعلم - منهج جديد للنمو والتنمية والتقدم الاجتماعي»، إن الشركات تنمو والبلدان تتطور؛ لأنها تتعلم بثلاث طرق؛ هي: الاختراع؛ والابتكار ( تكييف الاختراعات على عمليات الإنتاج). و«تعلم كيفية التعلم».
ويرى المؤلفان أن ما يميز الاقتصادات الناجحة عن الاقتصادات الأقل نجاحاً هو عملية التعلم، التي تتيح للشركات والقطاعات، وفي نهاية الأمر الاقتصاد ككل، تحقيق إمكاناتها الحقيقية. وفكرة أن التعلم يحدد مدى النجاح الاقتصادي؛ تربط بين مختلف فروع الدراسات المتخصصة، كما أنها تدعو الآخرين إلى الشك في مدى صحتها. فقد تم التوسع في مفهوم «الميزة النسبية الديناميكية» ذي التعريف المبهم؛ بإثارة الشكوك حول إذا ما كان المفهوم القياسي للميزة النسبية، استناداً إلى عوامل الإنتاج لا يزال له معنى في عالم يتسم بحرية حركة رأس المال.
ويطرح المؤلفان فكرة أن معظم الشركات متمسكة بحد إمكانية الإنتاج، بينما يتيح التعلم لها الاقتراب من هذا الحد وتجاوزه، على الرغم من أن البعض قد يعترض بأن هذا الحد قد يكون هو نفسه مبهماً في عالم تنمو فيه الشركات والاقتصادات عن طريق التعلم. ومن أهم مميزات هذا الكتاب أنه يقدم منظوراً جديداً لدور الحكومة في تحفيز النمو والرفاهية. فالمعرفة سلعة عامة، ولولا التدخل الحكومي لن تتوافر لها الموارد الكافية في اقتصاد السوق التنافسي؛ لكن درجة التدخل الحكومي التي تؤدى إلى أكبر قدر من التعلم غير واضحة. وربما يتمثل التحدي هنا في كيفية تصميم هذه التدخلات على نحو لا ينشأ عنه فشل حكومي من النوع الذي صاحب محاولات التدخل السابقة إلا أن المؤلفين لا يقدمان أي إرشاد باستثناء العبارة العامة: «يتوقف ذلك على الظروف القطرية» غير أن هذا هو السؤال الذي يطرحه صنّاع السياسات، لا سيما الذين عانوا مشورة السياسات حسنة النية، وإن كانت ضارة في نهاية الأمر. مما يقودنا إلى النصيحة المنطقية «عند القيام بتجربة، ينبغي التأكد من القدرة على إيقاف التدخل إذا تبين عدم كفاءته».
ويقول جوزيف ستليغليتز وبروس غرينوولد: إن وجهة نظر جوزيف شومبيتر القائلة: إن الاحتكارات ينشأ عنها ابتكارات ليست صحيحة دائماً؛ لكن التسليم بوجهة النظر المعارضة - القائلة: إن المنافسة توفر المزيد من الحوافز اللازمة للابتكار - قد لا يكون صحيحاً كذلك. فالشركات في ظل المنافسة تكون أصغر، وبالتالي تكون أقل قدرة على تحمل تكاليف الابتكار الثابتة. ويطرح المؤلفان حجة قوية للسياسة الصناعية التي تحفز الشركات المحلية على الابتكار والتعلم، والاحتفاظ بهذا التعلم داخل الوطن.
لكن نوع السياسة الصناعية التي يطرحانها تختلف تماماً عن ممارسة «اختيار الفائزين» التي تم إحياؤها مؤخراً، لا سيما للفائزين على أساس الميزة النسبية. وتبقى الحقيقة بأن الأسواق التعليمية الجديدة، دعمت برامج التعلم وسياسات التدريب على التنمية، وإدارة بناء المعرفة والفهم، والإلمام بقدرات ومهارات الجمهور في كل منطقة وحظهم من الخبرة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"