ثورة مستمرة في مصر

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

من أكثر المشاهد السياسية العربية التي قد تبعث على الحيرة، وعدم الفهم، مشهد الحراك السياسي الدائر في مصر . في الأيام الثمانية عشر الأولى لثورة يناير، أي بين انطلاق الحراك الشعبي يوم عيد الشرطة وخلع الرئيس السابق حسني مبارك عن سدة الحكم، كانت الأمور تتمتع بأكبر قدر من الشفافية والوضوح، مع أنها كانت تشكل في الوقت نفسه مفاجأة كبرى للمتشائمين والمتفائلين .

فقد انكشف أمامنا مشهد تاريخي كانت فيه جموع الشعب الأعزل هي التي تأخذ بيديها عملية التغيير الكبرى، بعد أن عودتنا مصر، في ثورة عرابي في أواخر القرن التاسع عشر، وثورة 23 يوليو في منتصف القرن العشرين أن تتولى طليعة ثائرة في صفوف القوات المسلحة التعبير عن الإرادة الشعبية بالتغيير، والإقدام عملياً على التغيير نيابة عن الجماهير الشعبية .

لكن منذ الحادي عشر من فبراير/ شباط (خلع مبارك)، بدأ الوضوح في المشهد السياسي المصري يتراجع أمام حالات متلاحقة من الأوضاع غير المفهومة .

وكان أكثر ما يستعصي على الفهم، منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا، إيجاد الجواب الصريح عن السؤال الآتي: هل سقط النظام القديم في مصر أمام نظام جديد، أو أن رأس النظام هو وحده الذي سقط؟

من يومها، وحتى يومنا هذا، تناوبت على الحكم الجديد في مصر قوتان متباينتان: الأولى هي قوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في حالة كانت كل تفاصيلها توحي باستمرار غريب للأوضاع الأساسية في النظام القديم، ثم قوة جماعة الإخوان المسلمين التي تكاد تمضي سنة على وصولها إلى سدة رئاسة الجمهورية .

في هذا الوضع الجديد، لم يتضح فقط أن الوضع الجديد مازال محافظاً ومحتفظاً بكل سلبيات ومعوقات النظام السياسي البائد، بل إن الأوضاع العامة في مصر قد دخل إليها، إضافة إلى سلبيات النظام البائد، سلبيات ومعوقات من نوع جديد، ناجمة عن سذاجة إخوانية مطلقة بممارسة شؤون الحياة السياسية العامة، وفراغ كامل ناجم عن غياب أي برنامج لحكم عصري، يواجه تحديات الأوضاع الراهنة في مطلع القرن الحادي والعشرين .

فبينما كان نظام حسني مبارك يعطي انطباعاً بأنه نجح طوال ثلاثة عقود في تجميد الحياة السياسية في مصر، لحساب مصالح العائلة الحاكمة والمحيطين بها من محاسيب وأعوان، فإن نظام الإخوان المسلمين يجعل المراقب يشعر بأن الحياة السياسية العامة في مصر ليست وحدها في حالة تراجع إلى غياهب القرون الوسطى، بل سائر مكونات ومعطيات الحياة الاجتماعية والحياة الثقافية أيضاً، حتى لم نعد نتعرف إلى مصر التي نعرفها .

لكن حالة التراجع في مرحلة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومرحلة حكم جماعة الإخوان المسلمين، يجب ألا تحجب عن أنظارنا وملاحظتنا، أن الحراك الشعبي الذي انطلق في أيام الثورة الأولى لخلع رأس النظام السابق، لم يتوقف يوماً واحداً عن حالة الغليان في عمليات مواجهة لنظام الحكم الجديد، لم تتوقف يوماً واحداً، بل هي تزداد وتتعمق وتنتشر يوماً بعد يوم .

إن من يلقي نظرة معمقة على الأوضاع الحالية في مصر، عبر ضباب الأزمة المستعصية، يلاحظ بوضوح أن ثمة شيئاً أساسياً واضحاً ومؤكداً وحاسماً هو أن جماهير الشعب التي خرجت لتمسك بأيديها زمام الأمور في أرض الكنانة، مازالت هي القوة الرئيسة الممسكة بزمام الأمور، رغم الظواهر السلبية، الأمر الذي يؤكد للمراقب أن المبادرة الشعبية التي فرضت في بدايتها خلع رمز النظام القديم، هي القوة الوحيدة القادرة على وضع أسس نظام الحكم الجديد الذي لن تتأخر شمسه لتشرق على مصر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"