جاء صدفة ورحل كأنه لم يكن

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

رحل الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. ظهر فجأة على الساحة السياسية، وترأس بطريق الصدفة، وأطيح شعبياً، وسجن، وتوفي، كأنه لم يكن. عندما كان هناك اعتراض على مرشح «جماعة الإخوان» وهو خيرت الشاطر، تم اختيار مرسي كحل وسط.
أحاط مرسي نفسه برجال مستجدين على السياسة مثله، وكان ترتيبه في السلم القيادي الإخواني السادس، أي كان هناك من هم أعلى مرتبة تنظيمية منه، ولذلك خضع لإملاءات المرشد محمد بديع، والرجل القوي خيرت الشاطر، الذي وثق علاقاته مع الإدارة الأمريكية، والمخابرات الأمريكية التي دعمت حملة مرسي بعشرات الملايين من الدولارات، وساهمت في الاستشارة الإعلامية للحملة. وكان الشاطر أيضا، رجل تركيا، حيث أغرق السوق المصرية بالبضائع التركية التي كان يتم إدخالها من دون جمارك، وتباع لمصلحته، ما أدى الى إغلاق أربعة الآف منشأة إنتاجية في مصر خلال فترة وجيزة لمصلحة الاستيراد من تركيا، في إطار حملة التمكين التي بدأها «الإخوان» للسيطرة على مفاصل الدولة في مصر، سواء في القضاء، أو الاقتصاد، أو التعليم، لكنهم لم يتمكنوا من اختراق الجيش. وهي الخطة نفسها التي نفذها أردوغان لاحقاً، بعد ما سمي بالانقلاب ضده في تركيا، وما زالت مستمرة حتى الآن. كان مرسي عبداً مأموراً لمن هم حوله، أو أمامه من القيادات، وظهر ذلك في تخبطه بين ما يقوله، وبين الممارسات، والقرارات، حيث تدخلات بديع والشاطر. فكثيراً ما أصدر قرارات وعاد لإلغائها. ولعل سلوكه المضطرب عندما خطف إرهابيون عدداً من الجنود في سيناء، يؤكد صلاته الوثيقة مع الجماعات الإرهابية، لأنه سهل لها الانتقال الى سيناء، مثل «القاعدة»، حيث كان على اتصال مع أيمن الظواهري. وفي كل مرة كانت المخابرات الحربية تحدد مكان الخاطفين، وتطلب من الرئاسة الإذن بمهاجمتهم، كان مرسي يماطل، ثم يكتشف الجيش أن هناك من أبلغ الخاطفين باكتشافهم فيغيرون مكانهم، ما أدخل الشك لدى قادة الجيش في أن الرئاسة متواطئة، حتى إن مرسي صرح علناً بأنه حريص على المخطوفين والخاطفين، وقد كنا نرى المرشد بديع يقف خلفه في المهرجانات، يلقنه ما يقول، كأن مرسي مرؤوساً، وليس رئيساً. كان خيرت الشاطر أحكم علاقته مع الأمريكيين بوثيقة النقاط العشر الشهيرة التي طلبها الأمريكيون، وفيها التزام «إخواني» بضمان المصالح الأمريكية، وأمن «إسرائيل»، ومعاهدة السلام معها، ولجم حماس في غزة، وصولاً الى إقامة كيان فلسطيني يتمدد في سيناء.. إلخ. وفي مقابل ذلك تحصل مصر على قروض أمريكية جديدة، وإطلاق يد «جماعة الإخوان» في البلاد العربية، لتغيير أنظمة الحكم كيفما شاءت، ما يعني انشغال العالم العربي بصراعات داخلية، وفوضى قدّرها أحد مهندسي الوثيقة، وهو السيناتور الجمهوري جون ماكين، بأربعين سنة.
كان مكتب الإرشاد هو الذي يقود مرسي عن طريق الشاطر، وبديع، فالرجل، أي مرسي، كان مرؤوساً، بل كان الأمريكيون أيضاً يأمرونه، حيث دخلت الى مكتبه هيلاري كلينتون، حاملة نص اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة إبان عدوان «إسرائيل»، ولم تنتظر، بل استدعته من مكتبه الى مكتب مدير مكتبه، وطلبت منه التوقيع الفوري على النص فوق طاولة مدير مكتبه، وهو نص كتبه مسؤول عسكري «إسرائيلي». وقد برز أثناء فترة حكمه القصيرة مشروع إقامة منطقة تجارية حرة بين مصر وغزة، ووضعت «حماس» المخططات، ونشرتها، وتنص على إقامة منطقة تجارية صناعية تمتد لمسافة 15 كيلومتراً داخل سيناء، ويمكن توسيعها الى العريش، وهو ما ورد في مشروع كوشنر حالياً، وتدخل الجيش المصري آنذاك رافضاً المشروع، وأصدر وزير الدفاع في حينه الفريق عبد الفتاح السيسي، أمراً عسكرياً بمنع غير المصريين من شراء العقارات والأراضي في سيناء، والمنطقة المتاخمة للحدود. وآخر عمل قام به مرسي هو إعلان الجهاد في سوريا في مهرجان أقيم باستاد القاهرة يوم 15 يونيو/ حزيران 2013 داعياً المصريين للجهاد هناك، وما خفي هو أن الرئيس التركي أردوغان اتصل قبل المهرجان الخطابي بساعتين مع مرسي، وشدد على ضرورة إعلان الجهاد في سوريا. فالرجل كان مأموراً من رؤساء عدة، وبالتالي ربما ذهب ضحية سذاجته السياسية، والظروف التي جعلته رئيساً، ثم مخلوعاً، ثم مريضاً في السجن إلى حين وفاته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"