جائزة نوبل والاقتصاد السلوكي

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي *

ثيلر، بروفيسور للاقتصاد بجامعة شيكاغو، التي تستحوذ على حصة الأسد من جوائز نوبل، فأكثر من ثلث المرشحين ال79 للفوز ب«نوبل» الاقتصاد، علماء اقتصاد تابعون للجامعة. وكان البروفيسور يوجين فاما، آخر من فاز بجائزة نوبل الاقتصاد من نفس الجامعة عام 2013
فاز عالم الاقتصاد الأميركي ريتشارد ثيلر، بجائزة نوبل في الاقتصاد، لعمله الرائد في ردم الهوة بين الاقتصاد وعلم النفس، ولنتائجه التجريبية والأبعاد النظرية التي توصل إليها، التي لعبت دوراً فاعلاً في خلق مجال الاقتصاد السلوكي الجديد الذي يتوسع بسرعة، والذي كان له تأثير كبير في عدد من نواحي البحوث الاقتصادية والسياسة.
ثيلر، بروفيسور للاقتصاد بجامعة شيكاغو، التي تستحوذ على حصة الأسد من جوائز نوبل، فأكثر من ثلث المرشحين ال79 للفوز ب«نوبل» الاقتصاد، علماء اقتصاد تابعون للجامعة. وكان البروفيسور يوجين فاما، آخر من فاز بجائزة نوبل الاقتصاد من نفس الجامعة عام 2013. وريتشارد ثيلر هو منشئ أول وحدة «لفت انتباه» رئيسية لاختبار المفاهيم السلوكية التي أنشأتها حكومة المملكة المتحدة. وهو يرى الاقتصاد السلوكي مليئاً بالبشر الذين يعانون التوتر بين العاطفة والعقل، والعاطفة والمنطق وليس «بأشخاص عقلانيين». وكان آخر كتبه بعنوان «سوء التصرف.. صنع الاقتصاد السلوكي»، وهو كتاب يصف فيه ثيلر صراعه لكي تقبل مهنة الاقتصاد المناهج السلوكية، وفيه إشادة مؤثرة بأموس تفيرسكي الذي كان يمكن أن يؤدي عمله مع دانييل كانيمان إلى حصوله على جائزة نوبل لو لم تدركه المنية فجأة عن عمر 59 عاماً.
ترسم كلمات ريتشارد ثيلر في كتابه، صورة واضحة لسخونة الحوار والنقاش المحتدم، داخل جامعة شيكاغو وخارجها بين النموذج التقليدي أي نموذج «الاختيار العقلاني» ونموذج الاقتصاد السلوكي الذي يدعو له. ويتكلم ثيلر عن «جري الطريق الصعب» في حلقات النقاش، ولم تحظ النتائج التي توصل إليها أنصار الاقتصاد السلوكي باستقبال حار من جانب الاقتصاديين من أنصار النموذج التقليدي. حيث يقول المعارضون إن الأدلة غير مهمة لأنه لا يزال من الممكن افتراض أن الناس سيتصرفون «كما لو» كانوا يتبعون نموذج الاختيار العقلاني.
وتظهر قصصه أن العديد من الأشخاص العقلانيين يظهرون نفس السمة الإنسانية جداً من «تحيز التأكيد» وهو ما لا يثير الاستغراب نظراً للطريقة الجذرية التي تتحدى بها الأفكار السلوكية النظريات التقليدية. وتهدم الحالات الشاذة التي يعرضها ثيلر بطريقة مثيرة للمناهج القديمة. ولكن ما هي المناهج التي ستحل محلها؟ فمن المفترض أننا نريد أن نبني نماذجنا على أساس افتراضات تتسق مع الطريقة التي يتصرف بها البشر فعلاً، والنجاح الحقيقي للاقتصاد السلوكي هو أنه دفع الحكومات إلى تغيير السياسات وطريقة تنفيذها. وقد لاحظ بعض الدارسين أن معظم دراسات وكتب الاقتصاد السلوكي لا يولون الاهتمام الكافي بتطبيقات السياسة الإنمائية كما لا يخوضون في التفاصيل الجوهرية لاختبار الأفكار السلوكية. فالنظريات ليست دقيقة بما فيه الكفاية لكي تقول لنا ما الذي يمكن أن يعمل في مختلف الظروف والسياقات وبالتالي فإن الاختبار بالغ الأهمية. وقد أشار بعض المحللين إلى أن جميع الأبحاث تقريباً في مجال علم النفس تتم على مجموعة فرعية صغيرة من الأشخاص من ثقافات غربية ومتعلمة وصناعية وغنية وديمقراطية. وبالتالي ينبغي أن تتوخى المؤسسات العالمية الحذر عند تطبيق هذه الاستنتاجات على ثقافات أخرى. ولا يحظى من هم في جامعات خارج الولايات المتحدة باهتمام ثيلر. في كتبه سيما كتابه الأخير، لا تجد لدى ثيلر أي إشارات مرجعية إلى مركز لندن للاقتصاد السلوكي أو مركز الاقتصادات السلوكية في جامعة سنغافورة الوطنية.
سبق لثيلر أن أرسل خطاباً إلى صندوق النقد الدولي يفيد بأن المناهج السلوكية لديها إمكانات كبيرة يجب الاستفادة منها في مجالات المالية العامة، مثل تحسين تحصيل الضرائب وهو ما يبدو أن جمعية نوبل في معهد كارولينسكا بالسويد قد اقتنعت بها. منح ثيلر جائزة نوبل للاقتصاد هو اعتراف بجهد ومثابرة عالم في حقله، وهي تعطي دفعاً قوياً لمدرسة الاقتصاد السلوكي الجديدة ويمكن أن تكون حافزاً لتلافي السلبيات التي وقعت بها هذه المدرسة.

* كاتب وباحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"