جاذبية النموذج الإماراتي في التنمية

02:49 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي*

تؤكد كافة إحصائيات ودراسات البنك الدولي أن دولة الإمارات العربية المتحدة حظيت بنمو اقتصادي سريع يدعو للإعجاب طبقاً لأي من المعايير العالمية، وتقول تلك الدراسات المستندة إلى إحصائيات موثقة: إن الاقتصاد الإماراتي يتميز باستغلاله الأمثل لإيرادات النفط والتوسع السريع في القطاع غير النفطي. كما أنه وسع الائتمان المقدم إلى القطاع الخاص. وأكد تقرير حديث أعدته مجموعة البنك الدولي بالاشتراك مع المنتدى الاقتصادي العالمي أن اقتصاد الإمارات يعد الاقتصاد الأعلى تنافسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأصبحت دولة الإمارات وجهة عالمية في تقديم الخدمات، مع وجود قطاعات منافسة في السياحة وغيرها. حيث تأتي الدولة بين أفضل 10 دول في العالم لقضاء العطلات، وهي بين الوجهات السياحية المفضلة عالمياً. وتؤكد الدراسات السياحية المتخصصة أن الإمارات مؤهلة لتصدُّر مراتب متقدمة بين الوجهات السياحية المفضلة عالمياً على مدار العقد المقبل، خصوصاً مع استضافتها الفعاليات الدولية الكبرى، التي من بينها معرض «إكسبو 2020 دبي». وتوقفت تلك الدراسات الدولية طويلاً بالفحص والتحليل أمام مقومات نجاح التجربة السياحية لدولة الإمارات، فتوقفت أمام وفرة البنى التحتية وتوفر التسهيلات الضرورية والتقنيات المواكبة لتمكين الاستثمار في القطاع بشتى أنواعه: الحكومي أو الخاص، الوطني أو الأجنبي، ففتحت للقطاع آفاقاً واسعة للانطلاق، وربطته بشكل فاعل وناجح مع حركة التطور والازدهار التي تشهدها باقي القطاعات الاقتصادية في الدولة، كقطاع العقارات والطاقة والتجارة والثقافة والتراث والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن تطويرها للقطاعات التي ترتبط بشكل مباشر مع قطاع السياحة، كالنقل والمواصلات والطيران المدني والخدمات اللوجستية، وغيرها من القطاعات، التي يعتبر توسيعها وتطويرها مطلباً لتوسع القطاع السياحي وازدهاره. إن كل تلك التقارير العالمية الموثقة تعني بما لا يدع مجالاً للشك أو التشكيك، أن النموذج الإماراتي في التنمية أضحى نموذجاً ملهماً وله عوامله الجاذبة، لكافة دول العالم النامي التي تطمح إلى تبوؤ مراكز ناهضة في الاقتصاد العالمي سريع التغير. مع عدد من المعطيات التي تقف خلف نجاح هذا النموذج الملهم من أهمها:
أولاً، هناك منظومة اقتصادية صاغتها رؤية سياسية تتسم بالحكمة والطموح جعلت الارتقاء الشامل للدولة، وتوفير الرخاء لمواطنيها في مجالات المجتمع المختلفة بشكل مترابط ومتكامل.
ثانياً، بناء المؤسسات ووجود حالة من الانضباط العام لضبط إيقاع الحركة والنشاط وتحديد معايير الأداء ووضع قواعد الثواب والعقاب في إطار قواعد قانونية تطبق على الجميع
ثالثاً، اتباع استراتيجية الاستثمار في البشر وهو ما أدى إلى قيام الدولة بإعطاء التعليم وإعادة التدريب أولوية كبيرة بحيث أصبح التعليم وتأهيل الأجيال الجديدة تأهيلاً يتسق مع التطورات الصناعية والتكنولوجية في العالم باعتباره من أول مستلزمات النمو الاقتصادي ومتطلباته.
رابعاً، إيمان دولة الإمارات بأهمية الابتكار الذي يُشكّل في يومنا الحاضر المحرك الأكثر أهمية للنمو الاقتصادي. فهو يعتمد على مناخ اجتماعي داعم للمبادرة ضمن ثقافة من الحرية الاقتصادية. ويؤمن الحكماء الإماراتيون من صنّاع السياسة بضرورة تشجيع هذا النوع من «النظام المتكامل للابتكار». ومن ثم، حافظت دولة الإمارات على صدارتها في المركز الأول عربياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2018. وحققت تقدماً على محور مخرجات الابتكار من المرتبة 56 في عام 2017 إلى المرتبة 54 العام الجاري، فيما حلت في المرتبة 38 عالمياً على الترتيب العام للمؤشر. وسجلت الدولة وفقاً للنتائج التي أُطلقت في مقر كلية التكنولوجيا بجامعة كورنيل في نيويورك، تقدماً على عدد من المحاور الفرعية المندرجة في هيكلية المؤشر العام، من أبرزها مخرجات المعرفة والتكنولوجيا، وتطور الأعمال، وتطور الأسواق، والبنية التحتية. ومن بين المؤشرات الفرعية التي حققت فيها الدولة تحسناً قياساً بنتيجة مؤشر عام 2017 برزت رسوم الملكية الفكرية، وصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة، وإجمالي الإنفاق على البحث والتطوير من قبل قطاع الأعمال، وحصة القطاع الخاص من الائتمان المحلي.
خامساً، العمل على زيادة عنصر المنافسة بين الوحدات الاقتصادية إنتاجية كانت أو خدمية، فالطريق إلى المنافسة على المستوى الدولي يبدأ بتحقيقها على المستوى الداخلي، ذلك أن المنافسة هي الطريق الوحيد لتحقيق جودة أفضل بسعر أقل.
سادساً، استفاد النموذج الإماراتي في التنمية لما حققه من تطور وتقدم من تراث الإمارات الثقافي التليد الملهم، وكان الشباب ركيزة نهضة الإمارات ومن ثم نلاحظ تبوؤ الشباب لمناصب وزارية مهمة.
وقد أشاد البنك الدولي، في آخر تقاريره، بالدور الريادي للإمارات وقال التقرير «الإمارات العربية المتحدة تقود دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الخدمات اللوجستية للتبادل التجاري». والخدمات اللوجستية هي شبكة الخدمات التي تدعم الحركة المادية للبضائع داخل الحدود وعبرها. وتضم مجموعة من الأنشطة من بينها النقل والتخزين والوساطة والتسليم السريع وعمليات المحطات النهائية وحتى إدارة البيانات والمعلومات. وتعد درجة كفاءة نقل السلع عبر هذه الأنظمة إلى وجهاتها النهائية عنصرًا رئيسيًا في إتاحة الفرص التجارية للبلد. إن أهمية الخدمات اللوجستية. أنها تتعلق بصناعة تبلغ 4.3 تريليون دولار تؤثر على كل بلدان العالم تقريبًا. وتعود أهمية دور الإمارات أيضا في هذا المجال إلى أن الخدمات اللوجستية تمثل العمود الفقري للتجارة العالمية... وفي ظل زيادة انتشار سلاسل التوريد على مستوى العالم، فإن جودة الخدمات اللوجستية في الإمارات مكنتها من المشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي.

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"