جرس إنذار للبشرية

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السويجي

قبل فيروس الكورونا انتشرت فيروسات أخرى منها إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وإيبولا وسارس ومرض الإيدز وقبلها الكوليرا والطاعون. وكل فيروس ومرض حصد الآلاف من المخلوقات ومن بينهم البشر، وهذا يعني، إذا أحسنّا النوايا، أن الطبيعة تعيد برمجة نفسها بنفسها، وتقدم مفاجآت للإنسان بين فترة وأخرى تجعله حائراً مرتبكاً عاجزاً عن التصدي والمقاومة لفترة زمنية طويلة، تكون قد أصابته في مقتل. ولا شك أن الإنسان ساهم في خلق هذه الفيروسات والأمراض مباشرة أو بشكل غير مباشر، إما عن طريق الحروب أو أساليب الحياة أو عدم احترامه للبيئة أو باستخدامه مواد مضرة تخلق فيروسات تعيد تشكيل نفسها بين قرن وآخر أو بين عقد وآخر. فلننظر ما يفعله الإنسان بالغابات فقط حتى ندرك حجم الاعتداء على الطبيعة الأم، ولننظر للأسمدة الكيماوية ولنرَ ما تحدثه من أمراض أولها السرطان، الذي يشكل ثاني أسباب للوفاة في العالم الثالث، ودعونا نتذكر أيضاً، أو نحيي خطر الأسلحة النووية التي تهدّد البشرية وتشكل قنبلة موقوتة في أوقات السلم والحرب، ونستذكر هنا الكوارث التي حلّت بالبيئة نتيجة تسرب الإشعاعات النووية من المفاعلات في أماكن كثيرة في العالم، ما يدعو إلى التخلص من هذا السلاح الذي لا يبقي ولا يذر إذا انفلت من عقاله وتسرب بكميات كبيرة، أو إذا استُخدم في الحروب.
العالم لا ينتبه إلا حين تحل به مصيبة أو كارثة فيعلن الاستنفار ويبدأ بالبحث عن أدوية وعلاجات، وتقارير كثيرة تقول إن فيروسات عديدة هي من صنع الإنسان، فلا ينشره إلا ويكون قد جهّز دواءه ليبيعه ويحقق الأرباح الطائلة، والبعض وجه أصابع الاتهام سابقاً إلى منظمة الصحة العالمية التي تقع عليها مسؤولية الإعلان عن وصول الانتشار إلى درجة الوباء، لا سيّما مع إنفلونزا الطيور. ودول كثيرة اشترت وخزنت لقاحات إنفلونزا الطيور والخنازير ولم تستخدمها وتحولت اللقاحات إلى عبء عليها.
ويبدو أن فيروس كورونا لا يختلف كثيراً عن سابقيه، وقد انتشرت دراسات في هذا الشأن، والبعض أعلن عن كتب قديمة تحدثت عن ظهوره المميت واختفائه المفاجئ، ومحللون تناولوا الموضوع من زاوية استخبارية وفق نظرية المؤامرة، خاصة أن انتشاره تزامن مع حروب تجارية بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والصين، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً في نشر الرعب والارتباك بين الناس حتى أصبح الفيروس حديث العالم.
هناك جانب إيجابي لظهور الفيروسات يتمثل في كشف مستوى استعداد الدول للتعامل مع الأزمات والكوارث، ولا شك أن الدول التي تهتم ببنيتها التحتية والنظافة والبيئة والمؤسسات العلاجية تكون أقدر على التعامل مع الأزمات من الدول المهملة الجاهلة المتخلفة التي لم تحقق الضروريات لشعوبها وانشغل زعماؤها بكنز الأموال وغيرها، وهذه الدول تتعرّى عند أول مشكلة كبيرة مثل الكورونا، وإننا نحمد الله أن الإمارات دولة مهيأة للتعامل مع أي مشكلة أو أزمة مهما كانت عصية أو كبيرة أو خطيرة، بفضل حرص القادة المخلصين الذين يعملون دائماً من أجل المواطن والإنسان، وأثبتت أزمة الكورونا صحة ذلك.
يبدو أن البشرية والدول تحتاج بين فترة وأخرى إلى جرس إنذار يوقظها ويذكرها بمصيرها المشترك، فالفيروسات ليست وحدها ما يهدد البشرية، هناك أزمة المناخ وثقب الأوزون والتسخين الحراري الذي يتعرض له كوكب الأرض، وهناك التصحّر والجفاف وأزمة الغذاء والماء، وهناك الأسلحة النووية والجرثومية والبيولوجية، وهناك المختبرات التي تعج بالتجارب على الأسلحة التي تستهدف حياة الإنسان وإنجازاته العلمية والثقافية والإنسانية، ما يدل على أن مبدأ التعاون بين الشعوب يشكل أكثر من ضرورة ملحة، فالمكان الذي يجمع البشر بات يضيق شيئاً فشيئاً، وبدلاً من الحروب والنزاعات يجب أن تفكر الأمم بالسلام، وتكاليف السلام أقل بكثير من تكاليف الحرب، وعائده أكثر رقياً وأخلاقياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"