جمعية الإمارات لحقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

أهم ما يميز أي مجتمع مدني حديث، هو توفير العدالة الاجتماعية للأفراد الذين يعيشون على أرضه، ولم تعد المواطنة أو الانتماء الوطني وحدهما الأساس للتمتع بهذه العدالة، بل الدولة الحديثة تأخذ اليوم بعين الاعتبار الديمغرافية السكانية والتجمع الحضري لسكانه برمتهما، من أي فئة كان هذا التجمع، وإلى أي ملة ينتمي . وإذا اقتصَرت الخدمة وما تقتضيه هذه العدالة الاجتماعية اقتصاراً تاماً على المواطنة، ولم تشمل غيرها، فإن المجتمع الدولي، والهيئات الدولية، وجمعيات حقوق الإنسان، لن تترك الأمر لمثل هذا التصرف، الذي يعتبر في نظر هذه الهيئات قصوراً لا بد من تكملته . ومن الطبيعي أن يُثار اعتراض من جهات متشددة على المرونة التي تبديها الدولة عادةً تجاه مطالبات الهيئات الدولية، ومسايرة رغباتها، ولكن الدولة التي تريد أن يكون لها مكان القبول بين المجتمعات المتقدمة في تشريعاتها العامة، لا تكترث كثيراً لمطالب المتشددين واعتراضاتهم التي تتسم في أحيان كثيرة بالإفراطية، التي لم تعد ذات تأثير يُذكر في عالمنا اليوم، لأنها بعيدة عن الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع الدولي، هذا الإحساس الذي يستوجب توافره في المسؤول الإداري للدولة . . التي تريد أن يكون صوتها مسموعاً، وبالتالي مصالحها مضمونة ضمن تعاون وتنسيق مع الآخرين، ويرى هذا المسؤول الإداري من الأمور ما لا يراه المعترضون البعيدون عن فهم العلاقات الدولية والتوازن بينها، ووجوب مراعاتها .

وتختلف جمعية حقوق الإنسان عن جمعيات المجتمع المدني الأخرى، سواء عندنا أو عند غيرنا، وأعني في الإمارات أو في غيرها، لأن جمعية حقوق الإنسان لا تشترط للعضوية فيها، أو لتقديم خدماتها للفرد الذي يلجأ إليها، بوجوب الانخراط في العضوية أولاً، ثم التشابهية في المهنية التي تمارسها هذه الجمعية أو تلك . وعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك جمعية يختص أعضاؤها بممارسة مهنة معينة، كجمعية المهندسين، أو جمعية الأطباء، أو جمعية الفنانيين، أو ما شابه هؤلاء من جمعيات المجتمع المدني أو النفع العام . . فإن هذه الجمعيات تنظر في مصالح أعضائها المنتسبين بحكم المهنة المشتركة، ومن النادر أن تتحول إجراءاتها إلى أمور أخرى، بينما يتوجب على جمعية حقوق الإنسان الدفاع والرعاية لحقوق الإنسان كائناً من كان، وإلى أي فئة من الفئات ينتمي أو ينتسب، حتى ولو كان هذا الإنسان يعيش في بلد آخر، أو مجتمع آخر، ويتعرض للظلم الاجتماعي والسياسي .

ومن حسن الحظ أن هذه الثقافة المعرفية المهمة بدأت تتسرب إلى المجتمع الإماراتي منذ أن تأسست جمعية حقوق الإنسان في الإمارات في عام ،2006 و بدأ الكثيرون في أجهزة الدولة المختلفة، وعلى رأس هؤلاء كبار المسؤولين يتفهمون عمل آلية الجمعية و غاياتها الإنسانية، ويقدرون ما ترمز إليه الجمعية، جمعية حقوق الإنسان، من بعد حضاري في دولة مدنية كدولة الإمارات، التي تسعى لتبوّء مكانة مرموقة ولائقة بها في المجتمع الدولي المتمدين .

كلما أبدت الدولة تشجيعاً ومرونة واهتماماً بجمعيات المجتمع المدني، كان ذلك في صالحها، وفي مصلحة قضاياها السياسية، الاجتماعية، أمام الهيئات الدولية، وأثبتت لهذه الهيئات أن رعاية هذه الجمعيات تأتي في سلم الأولويات في برنامجها نحو تطوير المجتمع الإماراتي، والوصول إلى الليبرالية والتعددية . . وبالتالي تثبت الدولة أنه ليست هناك مكانة في الإمارات للفكر الضيق الذي ينغلق على نفسه، وعلى الفئوية التي ينتمي إليها .

وإذا عُدنا إلى الثقافة المعرفية التي أشرنا إليها في ما سبق من قول، وفي ما يتعلق بحقوق الإنسان التي تجسدها جمعيات المجتمع المدني عموماً، وجمعية حقوق الإنسان خصوصاً، فإن مما يُثلج الصدور أن يظهر ما شاهدناه في اجتماع الجمعية العمومية لحقوق الإنسان، يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، من إقبال غير مسبوق على حضور هذا الاجتماع، والاشتراك في التصويت لمن يحق لهم التصويت حسب قانون الجمعيات ذات النفع العام . . وما أبداه مندوبو وزارة الشؤون الاجتماعية من حيادية في الرقابة والتنظيم، ما يدل دلالة كبيرة على اهتمام الناس، حكومة ومواطنين بما يتم من تطوير في عمل المجتمع المدني و مؤسساته .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"