حتى يردد العمال نشيد الظفر

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني

هل يعود نشيد العمال ؟ هل ينبثق من صمت القبور ؟ ذلك الصمت الذي يغلف أوجاع العالم؟
خطر السؤال مع ملاحظة الإغفال التام للعمال في اليوم الذي كان عيدهم. وقد قلبت الفضائيات وفتشت في الصحف دون أن أجد غير النسيان وقليلاً من الاحتفاء الخجول. ففي الأهرام المصرية على سبيل المثال نشر خبر عن حديث سيوجهه الرئيس تحية للعمال في عيدهم، بعد خبرها الرئيسي عن افتتاحه مبنى جديداً لوزارة الداخلية، وفي أسفل الصفحة خبر عن قرار لحكومة فنزويلا بتقليص أيام العمل في القطاع العام إلى اثنين في الأسبوع توفيراً للطاقة وربما أيضاً علامة انهزام للاشتراكية في بلد نفطي.

في الماضي كانت الاستعراضات تشمل العالم وكانت أخبار العيد تتصدر وسائل الإعلام. ولم يكن الاحتفال حكراً على الدول الاشتراكية فقد كان العالم الرأسمالي يمارس نوعاً من النفاق ويمجد الطبقة العاملة في ذكرى مجزرة العمال بمدينة شيكاغو الأمريكية 1886.

«يا عمال العالم اتحدوا». ولم يتحد العمال بالطبع على مستوى الأرض ولكن الحركات الاشتراكية قد عبرت فوق القوميات وكثيراً ما اتخذت طابعاً أممياً بدءاً من الدولية الأولى إلى الكومنفورم أو الدولية الثالثة التي أسسها لينين بعد نجاح الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفييتي، وحتى أممية تروتسكي الرابعة اجتازت الحدود والدول. ولقد انتشرت شرارة الاشتراكية وعمت بلداناً كثيرة و كادت تزلزل الرأسمالية في حصونها، لولا نزيف سباق التسلح الذي أرهق الاتحاد السوفييتي والأعباء الهائلة التي تحملها في دعم حركات التحرر الوطني والدول حديثة الاستقلال مقابل مثابرة المعسكر الآخر على نهب ثروات الشعوب، وكذلك لأن الرأسمالية نجحت في تجديد نفسها. من جانبها حاولت الشيوعية التبرؤ من الستالينية والتخلص من العجينة التي مزجت الاشتراكية بالاستبداد القيصري والاكليروس المسيحي، لكن المحاولة أجهضت بإقصاء «نيكيتا خروتشوف» ودخول موسكو عصراً طويلاً من الجمود والتصلب مع ترويكا بريجنيف - كوسغين - بود غورني. أما المحاولات الأكثر جرأة فتمت خارج القلعة السوفييتية أمام مقاومة عنيدة منها بلغت درجة التدخل العسكري. وحين نضجت المراجعات لدى الأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وظهرت ما أسميت في سبعينات القرن الماضي النيو- شيوعية متخلية عن مقدسات كان الحديث فيها محرماً نبتت على الناحية الأخرى أسنان إضافية من فولاذ للرأسمالية مع دخول «مارغريت تاتشر» «10 داونغ ستريت» واحتلال «رونالد ريغان» كرسي البيت الأبيض. الأولى كرست مذهب بيع القطاع العام الذي أصبح وصفة البنك الدولي المفضلة للدول في العالمين الثاني والثالث، والثاني أطلق حرب النجوم كي يدخل الاتحاد السوفييتي حلبة جديدة يستنزف فيها وينهك. في ذات الوقت انزلق هذا الأخير إلى حمأة أفغانستان وانحسر تأثير الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية وقامت الأحزاب الاشتراكية بدورة كاملة إلى اليمين، ثم حصل الزلزال السوفييتي والانهيار الكبير للمنظومة الاشتراكية ومن بعدها جاءت العولمة التي لم تخرج عن حدود أسوار الحماية الجمركية بينما زادت أوروبا في تعلية الجدران في وجوه طالبي الشغل من أبناء آسيا وإفريقيا، وتراجع دور وتأثير النقابات والمنظمات العمالية في أوروبا وأمريكا وفي العالم بأكمله.

لكن الرأسمالية راحت تخترع عدواً جديداً يلهي عن الصراع الطبقي ويغوي بحروب وصراعات دامية ومدمرة، فاستبدلت لحية كارل ماركس بلحية أسامه بن لادن ووضعت مكان قبعة لينين عمامة آية الله الخميني. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق «ريتشارد نيكسون» في كتاب أصدره في ثمانينات القرن الماضي بعنوان «1999 نصر بلا حرب» قد صنف الإسلام باعتباره العدو الذي يجب أن يخلف الشيوعية.

ولم تكن من مصادفات التاريخ ولا من مفارقاته أن يستدعى الدين لإذكاء الصراع بعيداً عن المصالح الطبقية وأن يكون زعماء الحركات الإسلامية من كبار أباطرة المال وقواعدها من أبناء الفلاحين وحثالة البروليتاريا.
وبالنسبة للعرب لا يكفي «كارل ماركس» فقد يتطلب الأمر ولادة أخرى لجمال عبد الناصر لكي تتضافر «يا عمال العالم اتحدوا» مع «ارفع راسك يا أخي» وتتآلف العدالة مع الكرامة، وحتى ترتفع راية القومية العربية فوق أعلام الطوائف والمذاهب والعنصريات الصغيرة والبغيضة.

أما وقد تمادت الرأسمالية في إهانة الإنسان وسحق كرامته فلا بد أن الاشتراكية عائدة، ذلك أن الذي سقط مع جدار برلين هو نموذج للاشتراكية وليس فكرتها، وستأتي الاشتراكية بمحيا إنساني كما كان يقول الفيلسوف الفرنسي «روجيه جارودي». يومئذ يطلق العمال أنشودة الظفر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"