حدود مبدأ سيادة الدولة

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

جملة من المتغيرات التي طرأت خلال العقود الماضية، جعلت من إعادة النظر في مبدأ سيادة الدولة مسألة في غاية الأهمية نظرياً وعملياً، كما أن الأحداث في عالمنا العربي منذ عقد تقريباً، كشفت مشكلات كبرى تعتري هذا المبدأ من الناحية الواقعية، لجهة الاختراقات العديدة التي طالت سيادة بعض الدول، أو لجهة التناقضات والصراعات الوطنية التي كشفت هشاشة مبدأ السيادة، والحاجة الماسة لإعادة النظر في هذا المبدأ، وأعمدته الأساسية.
يعد مبدأ «سيادة الدولة» إحدى السمات الكبرى التي تؤرخ للانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، ويعود الفضل في ذلك إلى معاهدة وستفاليا (1648) التي أنهت «حرب الثلاثين عاماً» في أوروبا، وأقرت مبدأ سيادة الدولة، وعدم حق تدخل أي دولة في شؤون الدولة الأخرى، وبذلك أسست لظهور الدولة القومية بمعناها الحديث، حيث تمتلك الدولة حق السيادة ضمن حدودها الجغرافية، وضمناً على المقيمين في أراضيها.
لقد أسس مبدأ سيادة الدولة لتعريف الدولة على أساس زمني، يقوم انطلاقاً من مصالح مادية، هي مصالح المواطنين الذين ينتمون إلى الإقليم، وبناء عليه، فإن مرجعية الدولة، ودستورها، لم يعودا يخضعان لأي مبدأ ما فوق أرضي، وهو ما أفسح المجال أمام تطور دساتير الدول الأوروبية، والقوانين الخاضعة لتلك الدساتير، كما تطور مفهوم تمثيل المواطنين في الدولة، عبر عمليات سياسية أصبحت مع الوقت خاضعة لمبدأ الديمقراطية.
لم يبقَ مبدأ سيادة الدولة محصوراً في أوروبا؛ بل أصبح مبدأ مؤسساً للقانون الدولي، وهو ما تعتمده مؤسسات الأمم المتحدة في لوائحها وقوانينها التي تمنع أي دولة من التدخل في شؤون دولة أخرى، خصوصاً أن الحربين العالميتين شهدتا انتهاكات واسعة لمبدأ سيادة الدولة، لكنه وعلى الرغم من إقرار الأمم المتحدة بهذا المبدأ، فإنها وضعت شروطاً لإمكانية تجاوزه، عبر فرض عقوبات على بعض الدول في حالات معينة، وحتى إمكانية التدخل العسكري في حالات أخرى، كما في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
إن ترسيخ مبدأ سيادة الدولة عانى ولا يزال مشكلة رئيسية تكمن في عدم قدرة لحاق كثير من دول العالم بالحداثة السياسية، وظهور عقبات كبرى أمام دخولها في زمن الحداثة، فثمة معايير عديدة تحدد مفهوم الحداثة بشكل عام، والحداثة السياسية بشكل خاص، وفي مقدمتها اعتبار أن شرعية الدولة تقوم انطلاقاً من عقد اجتماعي/وضعي، غير خاضع لمبادئ عقائدية دينية، وتطابق الوطنية والقومية، بحيث يكون الإقليم الجغرافي هو حدود الأمة، وتحوّل الدولة إلى كيان حيادي تجاه جميع أفرادها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والإثنية والمناطقية.
بالطبع، حدثت تجاوزات كثيرة؛ بل وعملية تحطيم لمبدأ سيادة الدولة القومية الحديثة، وهي تجاوزات فرضتها العولمة، بما تمتلكه من ديناميات اختراق للحدود القومية، وفرض شروط ومعايير «ما بعد حداثية»، خصوصاً عبر التجارة الإلكترونية (حوالي 25 تريليون دولار في كل عام من الأعوام الخمسة الأخيرة)، والشبكة العنكبوتية، والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، والمواطنة العالمية، وغيرها من المعايير، لكن في الوقت ذاته ثمة محاولات عنيدة للتمسك بمنجز الدولة القومية، وبمبدأ سيادة الدولة، لكن مع مرونة أكبر في التعاطي مع المستجدات العولمية.
إن حدود مبدأ سيادة الدولة هي حدود داخلية وخارجية؛ الأولى تتعلق بطبيعة الدولة نفسها، حيث ما زالت كثير من دول العالم كما في عالمنا العربي تعاني هيمنة الانتماءات ما قبل الوطنية/القومية، وسيادة أنظمة سياسية مطلقة تشكل بحد ذاتها عائقاً وحداً أمام قيام عقد اجتماعي مؤسس ديمقراطياً، بحيث تحوز السلطة السياسية شرعية أغلبية الشعب. أما الحدود الخارجية فهي ترتبط أشد الارتباط بمسألتين: الأولى عدم قدرة بعض الدول على المحافظة على سيادتها، وبالتالي تصبح سيادة الدولة نفسها ضعيفة أو غائبة، ما يدفع الدول الأخرى للتدخل وانتهاك مبدأ السيادة، كما هو حادث اليوم في غير بلد عربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"