حقوق الإنسان في السّياقات الوطنية

03:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

تقوم حماية حقوق الإنسان على مستويين، الأول داخلي من خلال عدد من الآليات الوطنية، والثاني دولي وإقليمي يتحقّق عبر تحريك آليات الحماية الدولية.
تجد حقوق الإنسان أساسها في المقتضيات الدستورية والتشريعية الداخلية للدول، كما ترتبط ارتباطاً أساسياً ووثيقاً بالقانون الدولي العام، بما يجعلها تنطوي على أبعاد عالمية أيضاً، فهي مجموعة من القواعد القانونية التي تتوخّى حماية حقوق الإنسان من دون تمييز، في مواجهة تعسّف وتجاوز الدول والأفراد والجماعات، وتسعى إلى توفير مناخ إنساني ملائم للعيش الكريم، وإلى تطوير شخصية الفرد.
اهتم ميثاق الأمم المتحدة بصورة كبيرة بحماية حقوق الإنسان، وتتعدّد الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تعنى بحماية هذه الحقوق.. فيما تطوّرت الآليات المتصلة بهذا الشأن، خلال العقود الأخيرة، ففضلاً عن محورية الوسائل الوطنية في علاقتها بالتشريعات، والقضاء، ومختلف هيئات المجتمع المدني، تلعب الأمم المتحدة بأجهزتها الرئيسية ومختلف وكالاتها المتخصّصة دوراً مهماً في هذا السياق على المستوى العالمي، فيما تزايدت أهمية هذه الحماية في بعدها الإقليمي، من خلال مواثيق وآليات إقليمية عامة وخاصة، مع تطور المكانة الدولية الأفراد.
وعموماً، تقوم حماية حقوق الإنسان، على مستويين، الأول داخلي يُنفّذ من خلال عدد من الآليات الوطنية، والثاني دولي وإقليمي يتحقّق عبر تحريك آليات الحماية الدولية، انسجاماً مع الاتفاقيات المبرمة والتي صادقت عليها الدول في هذا المجال.
ظلّت الدول لعقود طويلة تتعاطى مع قضايا حقوق الإنسان، باعتبارها تندرج ضمن سيادتها واختصاصاتها الداخلية.. وهو ما جعل حمايتها تتركّز إجمالاً في الآليات الداخلية المتّصلة بالدستور والتشريعات المختلفة، والقضاء والمجالس والمؤسسات المختصة، إضافة إلى دور المجتمع المدني والإعلام.
وعادة ما تؤكّد الدّساتير مجموعة من الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وهو ما يجعل منها الضامن الأساسي لهذه الأخيرة، حيث تلعب المبادئ المتضمّنة في هذه الوثيقة من قبيل فصل السلطات، ومراقبة دستورية القوانين.. دوراً محورياً في ترسيخ هذه الحماية.
ولا تتوقف الآليات القانونية لحماية حقوق الإنسان على الدساتير، بل تتعدّاها إلى بقية التشريعات الأخرى (القانون المدني، والقانون الجنائي، والقانون الإداري، والقانون العقاري، وقانون الأسرة، والقانون التجاري، والقانون المالي)، والتي يفترض أن تنسجم مع المقتضيات الدستورية، وتستحضر مختلف الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الشأن.
ويستأثر القضاء بدور أساسي ومحوري أيضاً في هذا السياق، على مستوى تطبيق القواعد القانونية ذات الصّلة، وضمان شروط المحاكمة العادلة، واستحضار المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة في ما يتعلق بحماية الحقوق وضمان الحريات.
غير أن نجاعة وفاعلية القضاء في هذا الصدد، تظلّ مشروطة باستقلاليته، ويقصد بهذه الأخيرة، عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر، وبأي وسيلة في أداء السلطة القضائية، بصورة قد تؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة.
وهناك كذلك، مؤسسات ومجالس وطنية تعنى بحماية حقوق الإنسان، كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، الذي هو مؤسسة وطنية تضمّ في عضويتها عدداً من الخبراء والفاعلين والحقوقيين، تأسّس عام 1990، وسمي آنذاك المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، قبل تعديل الإطار القانوني الذي يؤطره عامي 2001 و2011 ليصبح أكثر استقلالية وأكثر انسجاماً مع المعايير الدولية ذات الصلة.
ومن مهامه مواكبة قضايا حقوق الإنسان بالمغرب، وإعداد دراسات وأبحاث في هذا الخصوص، إضافة إلى تلقّي الشكاوى والمساهمة في صياغة التشريعات، لتكون منسجمة مع ما راكمه المغرب في مجال حقوق الإنسان، وهو يتوفر على 13 لجنة جهوية منتشرة على امتداد مناطق مختلفة من المغرب، تساعده على مستوى الرصد والمواكبة لأوضاع حقوق الإنسان..
ولا تخفى أهمية الأدوار التي بات يضطلع بها المجتمع المدني على مستوى حماية حقوق الإنسان، بعدما أصبح يشكّل إحدى السمات المميّزة للمجتمعات المعاصرة وللعلاقات الدولية الراهنة، وقد سعت الكثير من الدول والمنظمات الدولية الحكومية كالأمم المتحدة، إلى إشراكه في مختلف المجالات المتّصلة بالسياسات العمومية الوطنية والدولية، فيما أبانت فعالياته عن حرفية وكفاءة عاليتين محلياً ودولياً، سواء على مستوى رصد الاختلالات، وترسيخ ثقافة هذه الحقوق، أو المرافعة بشأن حمايتها وتعزيزها. وتختلف مجالات اهتمام المجتمع المدني على مستوى هذه الحماية بين قضايا الطفولة والأسرة، والبيئة، والصحة، والهجرة، وشؤون المهاجرين واللاجئين.
وأبرزت الممارسات الميدانية في هذا الصدد، أن المجتمع المدني لا يشكّل خصماً للدول والحكومات، بقدر ما أضحى شريكاً حقيقياً في تحقيق التنمية وتعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان عمودياً وأفقياً، ويبدو أن مهامه ما زالت في تطور مستمر على مستوى الاقتراح والمرافعة والتعبئة والتنشئة.. لكن السؤال الذي يظلّ مطروحاً هو ما إذا كانت هذه الآليات، تشكّل ضمانة حقيقية لحماية الحقوق والحريات ضد أي تعسف أو انحراف محتملين؟
تشير الكثير من الوقائع والأحداث الدولية إلى محدودية الحماية الداخلية في صدّ الانحرافات والانتهاكات المختلفة التي تطال حقوق الإنسان وحرياته، بل تبيّن في كثير من الحالات انتهاك عدد من الدول لنصوص وتشريعات داخلية، بما فيها الدساتير، ولا سيما في ما يتعلق بالحقوق السياسية. فيما لم تحترم الكثير من الدول الأخرى مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان على التشريعات الداخلية، بعكس دول أخرى جعلتها في مرتبة الدساتير، أو أسمى منها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"