حكومة سقوط الأحزاب

03:45 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تستعد الحكومة التونسية الجديدة برئاسة إلياس الفخفاخ لمواجهة جلسة منح الثقة أمام برلمان منقسم تسود كتله الصراعات وأجواء انعدام الثقة، ما يؤشر إلى استمرار الأزمة، حتى وإن حصلت الحكومة على أغلبية ضعيفة، إذا لم تنقلب إحدى الكتل على تعهدها، وتصوت ضد الحكومة في اللحظات الأخيرة.
بعض التونسيين استبشروا خيراً بالتوافق على تشكيل حكومة الفخفاخ، لكن الغالبية محبطة من النسق الذي اتخذه مسار التشكيل الوزاري، وباتت لا تصدق ما تسمع من وعود وشعارات. فللمرة الأولى منذ الاستقلال تواجه تونس أزمة خطيرة قادتها إليها التجربة الديمقراطية وليس الاستبداد السابق. وبعدما كان يفترض أن تكون انتخابات الخريف الماضي محطة للتأسيس الفعلي للجمهورية الثانية، كانت النتائج مخيبة للآمال وضيعت على التونسيين خمسة أشهر، وربما أكثر، من السجال والتطاعن بين السياسيين والأحزاب المختلفين على كل شيء، بينما يقتضي الظرف الكثير من ضبط النفس والدفاع عن المصلحة الوطنية، بعيداً عن الكيد السياسي والانتهازية وادعاء البطولات والقدرة على الإنقاذ.
المخاطر التي تواجه حكومة الفخفاخ، إن نالت الثقة، تتعلق بهشاشة الحزام الحزبي الذي تطوقت به، ويتكون من أحزاب «النهضة» و«التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» و«تحيا تونس»، وما يفرق بين هذه الأطياف أكثر مما يجمعها. وبالمقابل تواجه الحكومة معارضة مشتتة أيضاً ولكن تأثيرها سيكون كبيراً وربما ينجح لاحقاً في تفكيك التحالف الحكومي المؤقت. يضاف إلى ذلك أن موقف «النهضة» غير واضح تماماً، كعادة أحزاب الإسلام السياسي، وتعرف صراعات خلف الأبواب المغلقة، وتتخوف من الآتي ومفاجآته إذا سقطت الحكومة لأي سبب من الأسباب.
مشكلة تونس الكبرى تكمن في أحزابها التي لا تمتلك برامج واضحة ولا مشاريع واقعية، فالتي ستكون في الحكم ستجد نفسها مجبرة على التكيف مع الوضع القائم دون قدرة على تغييره، والتي اختارت المعارضة ستبني عملها على ردود الفعل دون تقديم بدائل، ما يزيد من تعميق الأزمة العامة، وهو ما يؤدي إلى تدخل أكبر للمنظمات الوطنية، وفي صدارتها الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، لتلقي بثقلها في المشهد السياسي وتجبر الحكومة على تنفيذ الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية، وتنأى بنفسها عن الصراعات التي لا تنتهي بين الأحزاب والفاعلين السياسيين في التيارات المختلفة.
إذا تسلمت حكومة الفخفاخ مقاليد السلطة، سيكون عملها امتحاناً قاسياً ومقامرة للأحزاب التونسية الراهنة، أما إذا سقطت فستسقط معها هذه الأحزاب التي أثبت الواقع التونسي، على مدى ثماني سنوات، أنها بلا جدوى. ومثلما أظهرت الانتخابات التشريعية الماضية، فإن الناخب التونسي لم يعد يثق في من يدّعون تمثيله، وإذا أعيدت الانتخابات سيكون العزوف أكبر والنتائج كارثية، وهي مشكلة لا يمكن التقليل من خطورتها، لأن تداعياتها سيئة على الطبقة السياسية خصوصاً أولئك «الثوريين» الذين يدعون تحقيق المعجزات، وهم أعجز من العجز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"