حل «التشريعي» الفلسطيني يعمق الانقسام

02:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

القرار الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحل المجلس التشريعي، والذي لاقى معارضة كبيرة، من قبل الكثير من الفصائل الفلسطينية، لما له من آثار وانعكاسات سلبية على مسيرة الكفاح الفلسطيني الطويل، ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، يطرح أسئلة كثيرة، لعل أبرزها، هو: هل يملك الرئيس عباس حق حل المجلس التشريعي أم لا؟
قبل الحديث عن ردود الأفعال التي أثارها القرار، لا بد من التذكير أولاً، بأنه واستناداً إلى القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 وتعديلاته لم يمنح الرئيس بالمطلق صلاحية حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وبالتالي فإن خطوة حل المجلس التشريعي الفلسطيني، هي خطوة مخالفة للدستور، الذي سعى من خلاله المشرع إلى إرساء استقلالية مطلقة للسلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية وليس العكس، وذلك لأن الحكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي الفلسطيني، وله الحق في الرقابة على أدائها وصلاحية طرح الثقة عنها وحلها بموجب القانون الأساسي، وبالتالي لا يجوز بالمطلق منح هذه الخاصية للرئيس، الذي يجب عليه الالتزام بالقانون الأساسي الفلسطيني وألا يعتدي على السلطات الأخرى.
وبغض النظر عن التفسيرات القانونية، فقد لاقت خطوة الرئيس الفلسطيني رفضاً مبرراً من أغلبية الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية، التي رأت في الخطوة خطورة كبيرة، ذلك أن حل المجلس التشريعي المنتخب شعبياً قبل إجراء انتخابات جديدة تتيح للشعب الفلسطيني ممارسة الحق الذي حرم من ممارسته طوال الاثنتي عشرة سنة الماضية، أي منذ أن استحق موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2010، بسبب، وبحجة، الانقسام المؤسف في الساحة الفلسطينية، سيزيد المؤسسات الفلسطينية إرباكاً.
زد على ذلك أن قرار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بإجراء الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996 مثّل خطوة جريئة للتحرر من قيود فرضها اتفاق أوسلو الذي لم ينص على إجراء انتخابات لمجلس تشريعي، بل افترض انتخاب مجلس تنفيذي إداري من أربعة وعشرين عضواً فقط، يتولى المهام الإدارية والتشريعية، وتخضع تشريعاته لمراجعة الجانب «الإسرائيلي» كإطار للحكم الذاتي.
ورأى الكثير من الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية أن حل المجلس التشريعي الحالي، والمنتخب، مع إبقاء الحكومة الفلسطينية وباقي مؤسسات السلطة، يعني الوقوع في فخ العودة إلى صيغة اتفاق أوسلو الإدارية للحكم الذاتي التي تجاوزها الشعب الفلسطيني، ولا سيما بعد فشل كل المراهنات على عملية التسوية، التي قدم الجانب الفلسطيني فيها الكثير من التنازلات، في ظل تعنت وإصرار «إسرائيل» على إنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية، والإمعان في سياسة القمع والاستيطان، التي يمارسها المحتل «الإسرائيلي».
والحقيقة أن حل المجلس التشريعي المنتخب، مع تواصل الالتزام بالاتفاقيات السياسية والأمنية، وعلى رأسها التنسيق الأمني، يعتبر إلغاء للمؤسسة الوحيدة التي نجح الشعب الفلسطيني في بنائها خارج إطار اتفاق أوسلو سيئ الصيت، والذي ألحق الكثير من الخسائر بالشعب الفلسطيني، نظراً لتهرب الاحتلال «الإسرائيلي» من الالتزامات التي فرضتها عملية التسوية، بل واستغل هذه العملية والمفاوضات التي جرت خلالها، كغطاء وسع من خلاله الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأمعن في تجاهل الحقوق الفلسطينية، مستنداً إلى الدعم الغربي ولا سيما الأمريكي.
زد على ذلك أن خطوة حل المجلس التشريعي، قبل وبدون إجراء انتخابات جديدة، تمثل خروجاً على اتفاقات المصالحة الوطنية، ومن شأنها تعميق وتوسيع الانقسام في الساحة الفلسطينية، وتعقد فرص تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وإنهاء الانقسام، وهو شرط لا بديل له لمواجهة «صفقة القرن» ومؤامرات الاحتلال، ومساعيه الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
إن المسّ بمكانة المجلس التشريعي القائم، يمثل تجاوزاً على مؤسسة شرعية منتخبة من قبل الشعب الفلسطيني، وسيضعف التمثيل الفلسطيني في كافة المحافل البرلمانية الدولية، وهو أمر قد يستغله أعداء الشعب الفلسطيني، للتشكيك في التمثيل الفلسطيني، وهي محافل جد مهمة لحشد الدعم والتأييد للحق الفلسطيني، وكفاح الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المغتصبة، وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها التاريخية القدس الشريف، ويعزز الانقسام الفلسطيني، وهو ما ذهبت إليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أكدت أن قرار الرئيس الفلسطيني بحلّ المجلس التشريعي، سيدخل الساحة الفلسطينية في صراعٍ على الشرعيات التي باتت أغلبيتها - إن لم تكن جميعُها - في موضع شكٍ في شرعيّتها نتيجة تقادمها، وتحوّلها إلى حيازاتٍ فئوية وتعبير من تعبيرات ومظاهر الانقسام، داعية إلى وقف قرار حل المجلس التشريعي، والتركيز على تنفيذ اتفاقيات المصالحة كافة، ودون انتقائية، والإعداد لانتخابات ديمقراطية حقيقية وشاملة لكل مكونات النظام السياسي وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر شاطرها فيه معظم الفصائل الفلسطينية.
إن ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، هو إعطاء الأولوية لقضايا الصراع مع الاحتلال، بدلاً من العبث بالساحة الفلسطينية واتخاذ قرارات فردية، تدخل هذه الساحة في صراعات داخلية جديدة تمثل بيئة خصبة لتمرير مخططات التصفية، التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"