حين يجسّد الرحيل معنى الوحدة

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
رحل أحد عمالقة الفن العربي، الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا، الذي أدخل الفرح، كل بيت، ليس في الخليج العربي وحده، بل وعلى مستوى البلدان العربية بأسرها، من خلال المسلسلات والمسرحيات، التي كان البطل والمقدام فيها، وفي عمر فني تجاوز الخمسين عاماً. وقد زاوج في أعماله الفنية، بين الكوميديا والالتزام، معبراً عن هموم الناس ومعاناتهم، وعن انتمائه للبسطاء والمحرومين. كما اهتم بقضايا وطنه وأمته، بحيث يمكن وصفه من غير مبالغة بالفنان الإنسان.
وخلال أكثر من أسبوع، منذ انتقال الفقيد، إلى رحمة الله، شغلت وسائل الإعلام العربية، والخليجية منها بشكل خاص، من صحافة وتلفزة، وإذاعات، بالحديث عن السيرة العطرة للفنان الكبير. ونعته الجهات الرسمية الكويتية، والخليجية. وكان الأبرز هو صورة مشهد التشييع المهيب، الذي شارك فيه عشرات الآلاف من الكويتيين والخليجيين؛ حيث كان بالفعل مشهداً، غير مسبوق، لم يتفرد به فنان سواه.
هذا الحديث، غير معني بتناول محطات عمل الفنان عبد الرضا، وإبداعاته، ولا بالحديث عن سيرته الذاتية، إلا بقدر علاقتها بموضوع دور الفقيد في إرساء الوحدة بين أفراد المجتمع الخليجي. لقد كانت هذه المواضيع الشغل الشاغل، لوسائل الإعلام، منذ رحيل الفقيد. وقد جرت تغطيتها، وليس في طاقة حديث كهذا تقديم المزيد.
ما نهدف له في هذه القراءة، هو تناول جانب آخر، لم تجر تغطيته من قبل أجهزة الأعلام، أو الأشخاص الذين قاموا بنعي الفقيد، أو كتبوا عن مآثره. هو دور الراحل، في تعزيز عرى الوحدة الوطنية في المجتمع الخليجي، والذي بلغ أوجه بعد رحيله، وأثناء مراسم الوداع الأخير.
لم يجمع شعب الخليج العربي، على ممثل فنان، كما أجمع على الفنان عبد الحسين عبد الرضا. وكان من حسن طالعه، أنه عاش في مرحلة فنية ثرية، بفنانين مبدعين، من الكويت، شاركوه مسيرته الفنية، على رأسهم سعد الفرج وخالد النفيسي، وعلي المفيدي، وإبراهيم الصلال، وغانم الصالح، ترك كل منهم بصمات قوية في أعمال الفقيد، منذ بدأ مسيرته الفنية عام 1961، في مسرحية صقر قريش، واستمراراً بمسيرته الطويلة، طيلة نصف قرن من الزمن.
قدم الراحل، أشهر المسلسلات الخليجية، وكان الأبرز بينها، مسلسل «درب الزلق»، الذي شارك فيه الفنانون: سعد الفرج وخالد النفيسي، وعلي المفيدي، وعبد العزيز النمش. ومن وجهة نظر كثير من الفنانين، يعتبر هذا المسلسل، الأكثر شهرة بين الأعمال الخليجية على الإطلاق. وقد تتابعت مسلسلات وأعمال الفقيد، في عناوين بارزة، الأقدار، وعزوبي السالمية، ومراهق في الخمسين و باي باي لندن، وفرسان المناخ، وكثير غيرها...
ما يهم في هذا السرد، هو إسهامه، في تحقيق ما يمكن أن نطلق عليه مجازاً، بوحدة الثقافة. لقد دخلت هذه المسلسلات، كل منزل، من منازل بلدان الخليج العربي. ومعها دخل قاموس جديد من المفردات، التي استخدمها الفقيد الكبير. بات التأثير عميقاً لكثير من التعابير التي استخدمها الفنان عبد الرضا، في مسلسلاته ومسرحياته، بحيث يمكن المقاربة، بدون مبالغة، بين تأثير ثلاثية نجيب محفوظ، بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، الروائع الأدبية، التي دخلت للسينما، ببطولة الفنان الكبير، يحيى شاهين، ونخبة من الفنانين الكبار.
فكما دخلت مفردات نجيب الريحاني، وعبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس، وعبد المنعم إبراهيم، وعادل إمام ودريد لحام، ونهاد قلعي في المجتمع العربي، وباتت مفرداتهم، ضمن قاموس الكوميديا العربية، دخل عبد الرضا، بالقوة ذاتها، وبصورة جلية في المجتمع الخليجي.
عند رحيل الفقيد، كان المجتمع العربي بأسره، يمور بطغيان الفتنة الطائفية. وقد شهدت البلدان العربية، منذ نهاية عام 2010 انهيارات كبرى، كانت بداياتها شعارات دولة الحق والقانون، والحرية والديمقراطية، لتنتهي في نهاية المطاف، إلى تغوّل لشعارات الردة، والعودة إلى الخلف، وبروز ما هو أقرب إلى الحروب الأهلية والتفتيتية، مقسمة المجتمع على أسس طائفية.
وباستثناءات نادرة، تعتبر نشازاً، في ثقافتنا وبنيتنا المجتمعية، يمكن القول، إن الفقيد الكبير، الذي أدخل إلى معجم لغتنا ولهجاتنا مفردات وتعابير جديدة، خلقت شكلاً من أشكال الوحدة الثقافية، والذي استطاع أن يدخل الفرح والبهجة في كل بيت، حقق برحيله، ما هو أعظم من ذلك بكثير. لقد أعاد الوعي للمجتمع الخليجي، حين شعر الجميع بالثكل وبالخسارة الفادحة لرحيل الفنان الإنسان، وحين التأم الجمع، من كل مكان، لتشييع الفقيد الغالي، وأيضاً حين خيم الحزن، على الكويت وشعبها وقادتها، وعلى عموم بلدان الخليج العربي، والبلدان العربية، ليكون الرحيل، في زمن التشظي، تجسيداً حقيقياً لمعنى الوحدة.

د.يوسف مكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"