خطاب ترامب الشعبوي

02:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

بدأت الحملة التي يشنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تؤتي أكلها ضد الملونين والمهاجرين بشكل غير متوقع، عندما تم ارتكاب مجزرتين في ولايتين أمريكيتين، إحداهما في مدينة الباسو بولاية تكساس، استلهم منفذها مجزرته من منفذ مجزرة المسجدين في نيوزيلاندا، وهو عنصري يؤمن بتفوق العرق الأبيض.
وكان الرئيس الأمريكي استهل حملته الانتخابية لولاية ثانية بالهجوم على أربع نائبات ملونات في مجلس النواب من الحزب الديمقراطي، وطالبهن بالعودة إلى بلادهن الأم، لكنه لم يفطن إلى أن أجداده هم مهاجرون من ألمانيا أيضاً. فالقارتان الأمريكيتان، الشمالية والجنوبية، وما بينهما، هي بلاد لشعوب من عرق آخر تعرض للاحتلال والإبادة على مدى قرون بعد اكتشاف العالم الجديد على يد الإسبان، والإنجليز، والبرتغاليين، حيث تعرض السكان الأصليون لحملة إبادة منظمة قضت على عشرات الملايين منهم، وظلت تلك الكارثة موضع تجاهل رغم ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية فيها.
الرئيس ترامب الذي وجه خطاباً متشدداً ضد سكان مدينة بلتيمور من السود، وشتم قبل ذلك سكان إفريقيا، ووصفهم بأنهم حثالة، سبق له أن تجاوز الدستور الأمريكي في مناسبات عدة. ومثلما تعامل باستخفاف مع الشرعية الدولية وقراراتها بشأن القضية الفلسطينية، واستبدل بها ما يمكن تسميته بالشرعية الأمريكية الفوقية، تعامل مع المهاجرين والسود بالفوقية نفسها، محاولاً المضي قدماً في خلق شعبوية بين البيض والإنجيليين، ويعتقد ترامب أن الأبيض هو المواطن الحقيقي، أما المهاجرون فهم أمريكيون بشكل مشروط. ولم يكن مفاجئاً الاستماع لترامب وهو يطلب من أربع نائبات في الكونجرس «العودة» إلى بلادهن التي جئن منها. وكلام كهذا هو تحريض واضح، وأشارت استطلاعات إلى أن 69 في المئة من الناخبين البيض دون مستوى التعليم الثانوي ينظرون نظرة سيئة للاشتراكية. وقد دأب ترامب على وصف هؤلاء النائبات بأنهن اشتراكيات.
وحذر مسؤول ديمقراطي كبير في الكونجرس من أن تصريحات ترامب قد تجعل حياة النائبات في خطر.
ويخضع شرطي في لويزيانا إلى التحقيق بعدما دعا إلى إطلاق النار على النائبة أوكازيو كورتيس، في منشورعلى «فيسبوك». وقالت النائبة إن ترامب يفعل ذلك عن قصد، ويعرض ملايين الأمريكيين للخطر.
ويقوم ترامب بخرق القيم الأمريكية قولا وفعلا، وهي المساواة بناء على القانون والحرية الدينية والحماية للجميع والحماية من الاضطهاد، لأنه لا يؤمن بأي منها. فقد أمر الشرطة بشن حملة ضد المهاجرين غير المسجلين، كما أعلن أنه سيوقف اللجوء على الحدود الأمريكية - المكسيكية، رغم تحذير المحامين له من أن المحاكم سترفض قراره، وهو الذي لطالما اعتقد أن الأبيض هو المواطن الحقيقي، أما المهاجرون فهم أمريكيون بشكل مشروط.
وفي نهاية العام الماضي هدد بإصدار أمر تنفيذي يلغي فيه ضمانات المواطنة من خلال الولادة في الولايات المتحدة. وبهذا كان يريد أن يتجاوز الدستور إذ تنص المادة 14 منه على أن أي شخص يولد في الولايات المتحدة هو أمريكي، ولا تستطيع الولايات «حرمان المواطنين من الحصانات والمميزات»، أو منعهم من «الحياة والحرية والملكية من دون مبررات قانونية»، وهو بذلك يخاطب غرائز البيض، ويريد خلق قومية أمريكية بيضاء تستعبد، أو تهجّر غيرها، ولعله بتصريحاته المتشددة ضد السود والمهاجرين والمسلمين واللاتينيين، يريد أن يلتف البيض حوله، حيث نجح في حملته السابقة في تحويل الحزب الجمهوري إلى حزب منغلق ومحافظ، ومتدين إنجيلياً، يميل إلى الصهيونية المسيحية. فالرئيس الأمريكي يضرب الحديد وهو ساخن، مثلما يقول المثل، فهو يعلم أن تاريخ العنصرية في بلاده انتهى في منتصف التسعينات عندما ألغت آخر ولاية، وهي المسيسيبي، العبودية، وهو يراهن على أن الغريزة البيضاء قد تخدمه في ولايات أخرى غير التي تعتبر موطناً للديمقراطيين والملونين، كما أنه يستحث البيض ليصوتوا له مثلما فعل في حملته الأولى، حيث تفوقت عليه هيلاري كلينتون بثلاثة ملايين صوت، لكن عدد مندوبيها، كان أقل في ولايات صغرى. وعملياً يرغب ترامب في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والانضمام إلى إعلان الرئيس إبراهام لينكولن الذي صدر في عهده مرسوم تحرير العبيد، لكن لينكولن أعلن شخصياً في حينه أنه ضد منح حقوق سياسية ومناصب للسود، فهو وإن حرر العبيد ظل معادياً لهم في قرارة نفسه، إلى أن جاء مارتن لوثر كينج في الستينات، وخرج في مسيرة ضخمة تطالب بإنهاء التفرقة العنصرية، فأصدر الرئيس جونسون، مرغماً، قرار إنهاء التفرقة العنصرية، ولكن، كما تقول بعض الوثائق، فإن جونسون نفسه كان في السابق من أعضاء منظمة «كو كلوكس كلان» العنصرية التي تؤمن بتفوق الجنس الأبيض، فهل ترامب من أنصارها، أم أنه اختط لنفسه وسيلة لجذب المتشددين نحوه للفوز بولاية ثانية؟ لكن بداية حملته الانتخابية قد تؤدي إلى خلافات داخلية أمريكية عميقة، تتخللها أحداث دموية متكررة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"